رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في الذكرى التسعين لتأسيس الإخوان.. «التضحيات وحدها لا تكفي»

علي
علي

في الثاني والعشرين من شهر مارس الحالي تبلغ الجماعة العجوز من العمر، تسعين عامًا، حيث نشأت في مثل ذلك اليوم في العام 1928، وفي خلال هذا العمر الممتد تعاقبت الأنظمة الحاكمة التي عاصرتها الجماعة ما بين ملكية وجمهورية، ومع كل نظام من تلك الأنظمة دخلت الجماعة في صدامات متكررة ووقعت على إثرها في محن تباينت درجة شدتها باختلاف أسبابها وطبيعة الظروف المحيطة بها.

ما بين سجن وقتل وتضييق وتشريد ومصادرة أموال وفصل من الوظائف قضت الجماعة عمرها الطويل تخللته بعض النجاحات المرحلية التي لا تلبث أن تذهب سريعا، حيث نجحت في بعض الفترات في الاستحواذ على بعض مقاعد البرلمان والنقابات والاتحادات الطلابية ووصلت الى رئاسة الجمهورية، وكانت سببا في زيادة انتشار حالة التدين في المجتمع، ايضا قدمت بعض النجاحات في اطار العمل الخدمي والخيري، لكنها لم تستطع الوصول بعد لأهدافها الكبرى التي وضعتها لنفسها ؛ مما يدعوا للبحث عن اسباب هذا الاخفاق لتجربة قاربت على بلوغ قرن من الزمان والتي تعد فترة كافية للحكم عليها.

ولأنه وكما تقول القاعدة الأصولية بأن الحكم على الشيئ فرع عن تصوره ؛ فإنه يجب توصيف هذه الحالة حتى يمكن الوصول لأسباب هذا الاخفاق.

يفسر الإخوان في إطار توصيف هذه الحالة الأزمات والمحن بأنها من طبيعة الطريق؛ إذ أن طريق أصحاب الدعوات دائما ما تعتريه العقبات والابتلاءات التي تدل على صحة مسلكهم، ويستدعون العديد من النصوص الدينية التي تؤكد هذه المعاني مثل قوله تعالى (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما جاء أحد بالذي جئت به إلا عودي) أو قول الامام أحمد بن حنبل (لولا المحن لشككنا في الطريق)، في حين يتناسون نصوصا ومعان أخرى في تاريخ السيرة النبوية، منها قوله تعالى (اولما أصابتكم مصيبة قلتم أنى هذا قل هو من هند انفسكم) في اشارة للصحابة عن أن ما أصابهم من أذى كان بسبب خطئهم.

وقد رسخ البنا هذا المعنى مبكرا في عقول الاخوان ممهدا لهم تقبل كل المحن التي سوف يواجهونها مثبطا لهم عن البحث في أنفسهم لإكتشاف أخطائهم ومعالجتها ؛ حيث يقول في رسالة بين الأمس واليوم " احب ان اصارحكم أن دعوتكم لازالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى مهم خصومة شديدة...، وستدخلون بذلك في دور التجربة والامتحان، فستسجنون وتعتقلون وتقتلون وتشردون، وتصادر مصالحكم وتعطل أعمالكم وتفتش بيوتكم، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان، ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصر المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين ".

والحقيقة أن هذا التوصيف ينتج أولا عن خلط بين المبدأ والشخص، أو بين الدين والتنظيم، فعند دخول الجماعة في محنة، لا يتطرق التفكير الى اتهام النفس بالخطأ، لأن الإقرار بالخطأ يعني اتهاما للدين بالقصور مما يستتبع استبعاد الخطأ ورد كل أسباب المحن والأزمات لـ " طبيعة الطريق ".

أيضًا يعكس هذا التوصيف خلط بين مفهومي المحنة والفشل؛ فالمحنة هي متاعب يلقاها الشخص على الطريق الصحيح الذي سلكه نتيجة اجتهاد واع وخطوات مدروسة، ولا تكون صورتها بالضرورة السجن والقتل والتشريد الذي يحدث بشكل دائم ومتكرر، فالشخص الناجح يواجه صعوبات ومحن لكنه يتغلب عليها ويحقق حالة النجاح التي يبتغيها، فالنبي الذي تعرض لمحن كثيرة في سبيل دعوته والتي يستشهد بها الاخوان والاسلاميين عموما، قد حقق نجاحا في النهاية، بينما الفشل فهو ناتج عن خطأ يحول دون الوصول للهدف، وفي هذا يقول د خالص جلبي في كتابه " في النقد الذاتي " ( هناك اختلاط في مفهوم المحنة، فالعذاب والفشل هو محنة، وهو امر طبيعي وهو طريق الرسل، وهنا يختلط الأمر بين المحنة والخطأ، فالمحنة هي مقاساة عذاب الطريق الصحيح، والخطأ هو عذاب الطريق غير الصحيح ).

كذلك فإن هذا التوصيف يعكس فهما خاطئا لمفهوم السبب وعلاقته بالنتيجة ؛ فمن القناعات الراسخة والمقولات المشهورة عند الاخوان أننا علينا الأخذ بالأسباب ولسنا مسئولون عن النتائج، ولكن الحقيقة أن هذا الكون جميعا يسير وفق سنن وقوانين وضعها الله تعالى تعمل باضطراد وانتظام (ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا)، والتاريخ البشري يسير ايضا وفق هذه السنن وقد دعانا الله في مواضع كثيرة للتفكر في أحوال الأمم السابقة واستكشاف السنة التاريخية التي تحكم الأحداث ( سنة الله في الذين خلوا من قبل )، والأخذ بالسبب والنظر اليه باعتباره لازما لتحقق النتيجة لا يعد عدم اعتراف بالإرادة الإلهية ؛ فالسنة هي سبب ونتيجة وعلاقة سببية بينهما، والله هو الذي خلق السبب والنتيجة وخلق العلاقة التي تجعل السبب يؤدي الى النتيجة، ونحن بأخذنا بالسبب نكون عملنا وفق ارادة الله، وأي خلل في النتيجة يدلنا حتما على وجود خطأ في السبب يستوجب التصحيح.

إن بذل الجهود وتقديم التضحيات مهما بلغت ليس كافيا لبلوغ الأهداف مالم تسير في الطريق الصحيح، كما أن كثرة المحن والابتلاءات لا تدل بالضرورة على صحة الطريق، فكم من سائر في طريق غير صحيحة يلاقي من عنت ومشقة خلاله.

لقد بذل الاخوان من الجهد وقدموا من التضحيات على مدار تاريخهم الكثير، ولا يزالون، لكنها ذهبت هباءً- ونتحدث هنا عن النتيجة فيما يتعلق بالعمل الدنيوي أما الآخرة وثوابها فالله أعلم بها - فلم يقيموا دولتهم ولم يحققوا خلافتهم، ولم يصبحوا أساتذة العالم كما كانوا يهدفون، ولكن المحصلة كانت استنزاف للطاقات، بل لحياة وأرواح الشباب الذي يسير مطمئنًا خلف قيادات الجماعة واثقا في أهليتها، ولم يقتصر الاستنزاف على أفراد الجماعة فقط، ولكنه يمتد ليشمل المجتمع كله ؛ فالجميع يدفع ضريبة السير لجماعة كبرى مثل الاخوان في الطريق الخطأ.