رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرسالة الازهرية في تفكيك خطاب الجماعة الإرهابية(2/6)

جريدة الدستور

الرسالة الثانية

الجمود في الفكر توقف عندهم


الجماعة تحولت من مجرد مجموعة من المسلمين إلى كونها تري مركز الإسلام داخلها
المركزية المطلقة حولتهم إلى حالة من الجمود في الفكر وتوقف عندهم حركة التغيير والتطوير
الجماعة لا تقبل أي تلاقح فكري يمكنها من إجراء مراجعة أو تعديل مسار

تتناول الدراسة التي تعرضها "أمان" خطاب جماعة الإخوان المسلمين أقدم الجماعات الإسلامية المعاصرة بعد أنصار السنة المحمدية ، والجمعية الشرعية ، تلك الجماعة التي انشقّ عنها أكثر التيارات وأغلب الجماعات الإرهابية المعاصرة . 

واختارت الدراسة هذه الإشكالية في معالجتها لقضايا التطرف؛ لأن خطاب جماعة الإخوان المسلمين أحد أهم المؤثرات في الخطاب الإسلامي المعاصر، وأهم الروافد الخفية المغذية للتطرف في عالمنا؛ لذا يرصد الباحث عبد الباسط هيكل ، من خلال اتباع منهج تحليل خطاب المؤسس احسن البنا، وبعض كتابات منظري الجماعة، الجوانب المضمرة في خطاب الإخوان المسلمين وفي الحلقة الثانية  المركزية المطلقة بزعم امتلاك الفهم الصحيح للإسلام في دنيا الأباطيل وعالم التحريف وإلي التفاصيل : 


يقوم فكر الجماعات الإسلامية وفي مقدمتهم الجماعة الأم "الإخوان المسلمين" على ادعاء تملك الحقيقة الكاملة، متمثلة في الإسلام الصحيح الذى يدعون إليه، ويقومون على أمره، وتتلاشى المسافات بين النص وفهم النص؛ ليصبحا شيئا واحدا، وتذوب الفواصل بين المسلمين والإسلام، فالجماعة هي الإسلام، فلا عجب أن يُطالعك البنا في عنوان رسالته إلى الشباب بقوله: "دعوة الإسلام في القرن العشرين أو دعوة الإخوان المسلمين" .

هكذا جاءت صياغته: الإسلام أو الإخوان مترادفات دلالية، وتراها في قوله: "سيقول الناس ما معنى هذا وما أنتم أيها الإخوان؟ إننا لم نفهمكم بعد، فأفهمونا أنفسكم وضعوا لأنفسكم عنوانًا نعرفكم به كما تعرف الهيئات بالعناوين، هل أنتم طريقة صوفية؟ أم مؤسسة اجتماعية؟ أم حزب سياسي؟ كونوا واحدًا من هذه الأسماء والمسميات لنعرفكم بأسمائكم وصفتكم، فقولوا لهؤلاء المتسائلين: نحن دعوة القرآن الحق الشاملة الجامعة، وطريقة صوفية نقية، وجمعية خيرية، ومؤسسة اجتماعية، وحزب سياسي نظيف، وقد يقولون بعد هذا كله مازلتم غامضين فأجيبوهم: نحن الإسلام."



وتتحول الجماعة بهذا الخطاب - بوعي أو لا وعي - من كونها مجرد مجموعة من المسلمين إلى كونها مركز الإسلام ومحوره الذي ينبغي أن تدور في فلكه الأفراد والمجتمعات بل وينبغي أن تذوب فيه الدول عاجلا أو آجلا.

فالدنيا تنتظر جماعة الإخوان بوصفها المُخَلِّص - وفق رؤية مؤسس الجماعة - "العالم كله حائر يضطرب، وكل ما فيه من النظم قد عجز عن علاجه ولا دواء له إلا الإسلام، فتقدموا باسم الله لإنقاذه، فالجميع في انتظار المنقذ ولن يكون المنقذ إلا رسالة الإسلام التي تحملون مشعلها وتبشرون بها." وهنا خلط بين الرسالة بمفهومها النصيّ قطعيّ الدلالة قطعي الثبوت المُسلم له بالقداسة والعصمة، وبين فهم الجماعة البشري للرسالة الذي يُصيب ويُخطئ، ويمتلك حلولا ويعجز عن بعضها، فما تقدمه جماعة كالإخوان ليس الإسلام بل فهمهم للإسلام. 

وبادعاء الجماعة امتلاك الإسلام يُصبح لها حق الوصاية على المجتمع، ويشعر أفراد الجماعة بحالة من التمايز بالإسلام عن المسلمين، فكما يقول البنا "نحن أيها الإخوان ولا فخر صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه منزلتكم فلا تصغروا أنفسكم فتقيسوها بغيركم... ما عليه القرآن فهذا هو الإخوان."

فالجماعة تنطلق من ثقافة التفوق والتميز باعتبارهم ممثلي الحقيقة المطلقة، فتنظر إلى غيرها من القيم والنسق الفكرية نظرة احتقار واستصغار، فَهُمُ الإسلاميون الساعون دون غيرهم من المسلمين إلى إقامة الدولة الإسلامية في مفهومها الشامل، أما غيرهم من المسلمين فلديهم قصور ديني في الفهم والتطبيق، يكفيهم تقصيرًا أنهم لم ينخرطوا في الجماعة الساعية إلى إقامة دولة الخلافة، ومادام هؤلاء المقصرون من المسلمين في حالة غفلة عن إسلام الدولة، فالأمر يستوجب حالة من التوجيه الذى يتفاوت بين خطاب ناعم رقيق معلن، وخطاب تمييزي حاد في الغرف المغلقة يحفظ لأبناء التنظيم خصوصية تمنعهم من التلاشي في المجتمع، ويتولد شعور خفي غالبا، ومعلن حينا بالوصاية على المجتمع، يُلقن لأبناء الجماعة بشكل واضح في مقرراتهم الثقافية الأسبوعية تحت عنوان (إرشاد المجتمع).

فعلى عاتقهم دون غيرهم يقع واجب النهوض بأمر الدين واستنهاض همم هؤلاء الغافلين من أبناء الدين الإسلامي، والسعي لإقامة الحكومة الإسلامية على حدّ قول الدكتور القرضاوي: "إن قومًا فقدوا الإسلام في أنفسهم، وبيوتهم وشؤونهم الخاصة والعامة لأعجز من أن يفيضوه على غيرهم ويتقدموا بدعوة سواهم إليه وفاقد الشيء لا يعطيه. ليست هذه مهتمهم أيها الإخوان، فقد أثبتت التجارب عجزهم المطلق عن أدائها، ولكنها مهمة النشء الجديد، فأحسنوا دعوته وجدُّوا في تكوينه، وعلموه استقلال النفس والقلب، واستقلال الفكر والعقل، واستقلال الجهاد والعمل، واملئوا روحه الوثابة بجلال الإسلام وروعة القرآن، وجندوه تحت لواء محمد ورايته، وسترون منه في القريب الحاكم المسلم الذي يجاهد نفسه ويسعد غيره." 

فالجماعة ترى نفسها حركة البعث الإسلامي، وخطابها خطاب الصحوة الإسلامية في زمن موت وغفلة المسلمين، على حدّ قول سيد قطب: "نقطة البدء الصحيحة في الطريق الصحيح هي أن تبين حركات البعث الإسلامي أن وجود الإسلام قد توقف، هذا طريق.. والطريق الآخر أن تظن هذه الحركات لحظة واحدة أن الإسلام قائم وأن هؤلاء الذين يدَّعون الإسلام ويتسمَّون بأسماء المسلمين هم فعلا مسلمون. فإن سارت الحركات في الطريق الأول سارت على صراط الله وهداه، وإن سارت في الطريق الثاني فستسير وراء سراب كاذب تلوح لها فيه عمائم تحرِّف الكلم عن مواضعه وتشتري بآيات الله ثمنا قليلا وترفع راية الإسلام على مساجد الضرار."

وتترسخ بذلك رؤية أحادية في التعاطي فهم يمتلكون الحق ملكية حصرية، لا تتجاوزهم إلى غيرهم، وهم من الإسلام في موضع الإحاطة المطلقة التي لا مكان فيها لأي نسبية، مغفلين حقيقة أن طرحهم حول الإسلام ليس سوى محاولة فهم له، وكل ما ينتجه العقل هو نسبي وليس حقيقة مطلقة.

ويترتب على التمركز حول ذاتهم ممثلة الإسلام الصحيح، والناطقة الوحيدة باسم الحق حالة من الجمود في الفكر وتوقف حركة التغيير والتطوير، وغياب التعددية، فلا مجال مع الحق الثابت إلى النقد العقلي، أو الاجتهاد الفكري، وتغدو الجماعة بتشرنقها داخل التنظيم قادرة على البقاء عاجزة عن النمو، يُحكم التنظيم سيطرته مغرقا أفراده في غيابات بئره المظلمة، فيغيب شعاع المعرفة اللازم لبناء ضوئي لا غنى عنه لنمو الكيانات البشرية، فلا تقبل الجماعة أي تلاقح فكري يمكنها من إجراء مراجعة أو تعديل مسار.

وهذه الحالة من المركزية في خطاب جماعة كالإخوان المسلمين دفعها إلى إقامة تنظيم شمولي يمارس الدعوة والفن والاقتصاد والحزبية والعمل الخيري (البر) ظنا منها أنها تقدم بذلك نموذجا شموليا صحيحا للإسلام، بينما تحولت الجماعة إلى تنظيم شمولي صاحب سلوك استبدادي تُسيطر على قواعده ولجانه قيادةُ مركزية ساعية من خلال تمدّد التنظيم إلى السيطرة على مفاصل الدولة متى أتيح لها ذلك بدافع من نية حميدة مفادها إرضاء الله بنشر الإسلام الصحيح وإقامة الدولة الإسلامية، هذا الدافع الديني تحرص قيادات الجماعة على ترديده كي تلهم قواعدها التنظيمية طاقة رُوحية للمضي في الطريق الذى رسمه قادتهم.

وفي هذا الطريق يبدو الإسلام وكأنه قدّم أدقَّ التفاصيل للدولة، تحت شعار الإسلام دين ودولة، والإسلام هو الحل، وأنهم يمتلكون تلك التفاصيل لعلاج المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتراكمة، وتُمسى الجماعة معادلا للإسلام الشمولي، ويبدو ما تقدّمه الجماعة منتجا متكاملا يعلوه ختم إلهي، فيبدو الدخول في مواجهة معها بأنه مواجهة مع الدين وليس جماعة تديين الفكر، ومثل هذا يفقد المجتمعات حيويتها وقدرتها على التدافع الطبيعي والتنافس الضروري للتغيير والتطوير.
 

«ست رسائل أزهرية» تفكك خطاب الجماعة الإرهابية

الرسالة الأزهرية في تفكيك خطاب الجماعة الإرهابية(1/6)

يتبع