رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد محمود حبيب يكتب: كيف ننجح في محاورة المتطرف وإقناعه ؟

جريدة الدستور

قامت إحدى شركات الدعاية في الولايات المتحدة الأمريكية بعمل ضجة كبيرة جدًا عن فيلم تسجيلي كأفضل فيلم قصير، وقررت عرضه في السينما واحتشد جمع غفير من الجماهير لمشاهدته، وبدأ الفيلم الذي مدته عدة دقائق بالتركيز على سقف غرفة، ومضى أغلب وقت الفيلم بنفس المشهد دون تغيير، حتى بدأ المشاهدون بالتذمر ومنهم من اعترض أنه ضيّع وقته في ذلك، بل والأغلبية همت بالانصراف، وفجأة تحركت العدسة للأسفل نحو الأرض وظهر للعيان مشهد طفل معاق كليًا بسبب مرض جسده الصغير، وهو ممدد على سريره وكتبت هذه الجملة في النهاية " لقد عرضنا بعض الدقائق فقط من المنظر الذي يشاهده هذا الطفل المعاق في جميع ساعات حياته وأنتم تذمرتم ولم تتحملوا مشاهدته لبعض الدقائق، لذا اعرفوا قيمة كل ثانية في حياتكم، ولذا نرجو منكم التبرع لمستشفى كذا والذي يعالج المعاقين"، فكان التبرع هائلًا بسبب براعة الفيلم في الإقناع.

ويُعد هذا الفيلم من أكثر الأعمال إقناعًا وتحقيقًا لهدفه؛ لأنه احتوى على عدة مبادى في الإقناع، ولما كنا في أشد الاحتياج لإقناع المتطرف والمتعصب بالعدول عن فكره، لذا أقدّم بوصفى أول مدرب تنمية بشرية متخصص في تعديل الفكر المتطرف بعض الطرق والوسائل التي تقنع المتطرف وهى:

1- استخدام الرسائل الضمنية أو الخفية لإقناع المتطرف: وهي أي رسالة غير مباشرة بمعنى التأثير في اللاشعور، ويمكن أن يقدمها المحاور مع المتطرف في شكل مزايا وفوائد غير مباشرة للسلوك المعتدل ضمن كلامه بتلميحات غير مباشرة وخاصة في حالة انتباه وتركيز السامع.

2- عرض المعلومة بشكل متكرر، حيث أن التكرار يرسخ الفكرة، ويجعل العقل يعتبرها من البديهيات.

3- استخدام مبدأ الندرة ونعنى به أن هذا الأمر المراد الاقتناع به يكون للصفوة وليس لأى أحد.

4- كسر الرموز ويكون بتشويه رموز الشخص المراد إقناعه، فعلى سبيل المثال فإن الجماعات المتطرفة أول ما تفعله هو تشويه رموز الفكر المعتدل من الأزهريين بوصفهم علماء للسلاطين وللحكام (على حد زعمهم الباطل )، أو أنهم مقصرون في الدين، وبالتالي الوصول بالشخص إلى النقطة صفر، ثم إقناعه برموز جدد من الدواعش وأمثالهم، ويمكن للداعية أو المحاور عرض الصفات المشوّهة لهؤلاء من رموز الجماعات الإرهابية كحرصهم على ملذات الدنيا، وحب الزعامة، أو جفائهم في معاملة المقربـين لهم.

5- المقارنة بين الوضع الحالي وبين الوضع المأمول، فالجماعات المتطرفة مثلًا تحاول إقناع الشخص بعدم تمتعه في الدنيا بما يريده، وترغيبه في المأمول كالذى في الجنة أو حتى في الدنيا باتّباع الدين، ويمكن للداعية الاستفادة من ذلك بعرض سلبيات إرهاب المتطرفين لغير المسلمين أو تخويفهم من الإسلام وتأثير ذلك في الإضرار بالدين الإسلامي.

6- استخدام تعابير الوجه ولغة الجسد للإيحاء بأن الشخص القائم بالإقناع صادق في إحساسه، فعلى الداعية أو المحاور أن يعبّر عن أفكاره بمصداقية واقتناع حتى يقنع الآخرين.

7- الابتعاد عن أسلوب الأمر، بل استخدام التودد واللطف والاستماع للآخرين، والبدء بمقدمة منطقية توضح حقائق المنهج الجديد، ويُفضل إبراز المُحاور لأى أفكار أو صفات مشتركة بينه وبين الشاب المراد إقناعه، ليجعل الداعية إجابة الشاب لسؤاله بنعم.

8- الإلمام بما يريد أن يتناقش فيه ولو بأمور مختصرة كالإلمام بأضرار العنف مثلًا إذا أراد التحدث عن مخاطر الإرهاب.

9- القدوة، يُفضل أن يكون المُحاور مصدرًا لثقة الآخرين في الأمر المراد إقناعهم به، كالسكون النفسى أو حب الآخرين وغيرها.

10- إظهار الثقة في قدرات من نريد إقناعهم والثناء عليهم بخصوص شجاعتهم وذكائهم حتى لو مجاملة، لتأسيس أرضية للتآلف والقبول.

11- المساومة أو التدرج بين أمرين في الإقناع؛ بمعنى طلب شيء كبير، وبعد رفضه يُطلب الموافقة على شيء أصغر وهو المطلوب.

12- الهدية؛ يُعد إهداء الآخرين بعض الهدايا من أفضل طرق إقناع الآخرين، وهو ما تقوم به الجماعات المتطرفة في تجنيد شباب جدد.

13- التركيز على مخاطبة المشاعر الإنسانية عند الآخرين، أو قراءة أفكارهم بمعنى معرفة توجهاتهم قبل الإقناع لاستكشاف محركات الإقناع لديهم، هل هي الدين أم الكلام المعسول، أو غير ذلك؟

14- تقديم وإبراز فائدة أو عائد من إقناع الشخص بالشئ المراد، ويمكن أن تكون الفائدة مادية، أو روحية.
15- استخدام أي وسيلة تعليمية متاحة سواء بصرية أو سمعية لأنها أسرع وأقوى في عملية الإقناع.
16- الاهتمام بالانطباع الأول، وإن كان لا يدوم دائمًا ! إلا أنه مؤثر وقوي للغاية.
17- استخدام أحب الأسماء للشخص المطلوب إقناعه ويجب البعد عن تنفيره وازدرائه.
18- الاستعانة بالسياقات الخفية أو الاقتباسات، فيجب ذِكر أن الدراسات والتجارب أثبتت فوائد هذا الأمر، أو التدليل بإحصائيات، وهو من أهم الطرق التي يستخدمها مؤيدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
19- استخدام اللباقة والفصاحة، واللباقة والفصاحة لا نعنى بهما قدرتنا على الخطابة، وإلقاء الكلمات والعبارات، بل المرونة فى عرض الفكرة باختيار الوقت والمكان والطريقة المناسبة، باستغلال أنسب الطرق لعرض الفكرة عند الحوار مع الطرف الآخر المتشدد.
20- معرفة مواطن الاتفاق فى موضوع معين عند التحدث فيه، والتركيز عليها مع الإلمام بتفاصيل موضوع النقاش.
21- الإنصات جيدًا للطرف الآخر مع الاهتمام بلغة جسد الآخرين وخصوصا تعبيرات الوجه مع إظهار الاهتمام بالآخر ليسهل إقناعه.
22- إظهار التجرد وقصد الحق والبعد عن التعصب مع مراعاة ضبط النفس وكظم الغيظ ومراعاة البُعد عن إظهار الإعجاب بالنفس والغرور وتجنُب التحدىوالإفحام.
23- الافتراض في الطرف الآخر أن لديه فى الأصل نية حسنة فى التمسك بالرأي المنشود، ومحاولة التركيز على أن فكره ما هو إلا رأى خاطئ ناتج عن اختلاف الأفهام.
حفظ الله مصر وشعبها