رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الإرهاب التشخيص والحلول» لعبدالله بن بيه.. محاولة لعلاج الظاهرة

جريدة الدستور

زخرت السنوات الأخيرة بمحاولات كثيرة لرصد وتشخيص ظاهرة الإرهاب وعلاجها، منها ما اقترب من وضع حلول صحيحة لها، ومنها ما اقتصر على مجرد وصف الحالة من السطح، دون التعمق في سبر أغوارها أو كيفية إيجاد حلول حقيقية لها، ومنها ما كانت محاولته إضافة جديدة لرصيد الإرهاب وإعادة توجيهه لمناطق جديدة لم يدخلها من قبل بمنحه رداء جديدا من الشرعية، وقليلة هي الكتابات التي اختارت الطريق السليم لعلاج هذه الظاهرة التي تحتاج إلى دراسة متعمقة في الأصول الشرعية التي يستند إليها الإرهاب والتطرف، وبيان الأخطاء التي وقع فيها أصحاب الفكر المنحرف وأدت بهم إلى السقوط في دائرة الإرهاب.

وبالفعل فقد تبنت الكثير من الهيئات الرسمية وعلى رأسها بالطبع الأزهر الشريف، وكذلك مجلس حكماء المسلمين، مسئولية التصدي لهذه الأفكار،وإن كانت ليست بالقدر المأمول من مؤسسة بحجم الأزهر، ويأتي ضمن الكتابات الموجزة حول هذه الظاهرة كتاب "الإرهاب .. التشخيض والحلول" للدكتور عبدالله بن بيّه رئيس ومؤسس مجلس حكماء المسلمين، وتكمن أهمية الكتاب أو الكتيب رغم قلة عدد صفحاته في أنه يعد تعبيرا عن وجهة النظر الرسمية تجاه معالجة ظاهرة الإرهاب، فالمؤلف هو المؤسس لواحدة من أكبر المؤسسات الرسمية الإسلامية في العالم.

ويؤكد المؤلف ذلك بالفعل فيقول إن أصل الكتاب كان محاضرة ألقيت في مقر منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، استجابة لدعوة مجمع الفقه الإسلامي، وقدم بن بيّه خلاله تعريفا للإرهاب، وعرج فيه على الأصول التاريخية للمصطلح، ومتى وكيف ظهر، وأول الجماعات التي تبنت العنف في العالم.
أكد بن بيّه أن أول جماعة غرهابية كانت "الورعاء" وهي جماعة يهودية اشتهرت في التراث اليوناني وأطلق عليها الرومان اسم "المخنجرين" نظرا لأنهم كانوا يعتمدون على استخدام الخناجر في اغتيال ممثلي السلطة الرومانية " وتصفية أبناء جلدتهم ممن كانوا يعتبرونهم كفارا أو مقصرين في التقيد بحرف الشريعة التوراتية".

وأشار إلى أن ظاهرة الإرهاب لا تتعلق فقط بالعالم الإسلامي، ولكنها ظاهرة عالمية ضاربة بجذورها في التاريخ، ثم تحدث المؤلف عن تصاعد الظاهرة في العصر الحديث فقال

"وبالإشارة إلى القرن الماضي، تعاقبت على حمل مشعل إشعال الحروب، وتأجيج زخيخ جمر المعارك، الأفكار القومية مع النازيين في ألمانيا، والفاشيين في إيطاليا وإسبانبا، وفي الوقت نفسه كان اليساريون باسم البروليتاريا، يضرمون في هشيم الشعوب نيران الصراع الطبقي في آسيا، وأمريكا اللاتينية، وإفريقيا، فكانت حروب العصابات تشن تحت بيارق تحرير الشعوب، إلا أن وصول مجموعة من اليهود إلى فلسطين حيث كونت عصابات الهجانا 1920 وغيرها قبل إعلان دولة إسرائيل 1946م كان بداية عهد الإرهاب، ذهب ضحيته مئات الآلاف من الأبرياء ولايزال ينفخ في كير حرب لا يعلم نهايتها إلا الله".
ثم ينتقل المؤلف إلى ظاهرة العنف عند المسلمين في العصر الحديث.

ورغم محاولة المؤلف التأصيل التاريخي لظاهرة الإرهاب إلا أنه ربما سقطت منه "سهوا" فترة زمنية طويلة، مليئة بالعنف منذ ظهور جماعة الإخوان المسلمين، وما انبثق عنها من جماعات متطرفة طيلة القرن الماضي، ربما لضيق المقام أو لتسرع الكاتب في وضع يده على موضع الداء في الوقت الحالي، وربما كانت لديه أسباب أخرى لا نعلمها.

وعلى كلٍ فقد وضع يده على نصف أسباب الإرهاب في الفترة ما بين عام 1979م إلى الآن، والتي تعود إلى قيام الثورة الخمينية التي تزامنت مع فتح باب الجهاد الأفغاني فيقول:
"إلا أنه في أواخر القرن الماضي، ومنذ قيام الثورة الخمينية في إيران، أصبحت الحركة الإسلامية الشيعية، في الواجهة في أعمال عنف هنا وهناك، وفي الوقت نفسه كان الغزو السوفيتي الروسي في أفغانستان، يطلق شرارة حرب دينية، كان للمسلمين السُنة على مختلف أطيافهم الدور الأكبر والنصيب الأوفر فيها".
ولعل الفقرة السابقة إذا أضيفت إلى سياقها التاريخي لكانت دليلا ومرشدا لفهم كل ما وقع بعدها من أحداث في العالم الإسلامي، إذ تزامنت الثورة الخمينية مع الدعوة العالمية للجهاد في أفغانستان في العام نفسه، ويعتبر هذان الحدثان، مرحلة مفصلية في تاريخ الأمة الإسلامية، وقد سبق الحدثان خلفيات تاريخية مهدت لظهور جماعات وحركات شيعية متطرفة، كما تغولت الجماعات السنية المسلحة في كل أركان العالم الإسلامي.

ثم يؤكد المؤلف على توالي الأحداث فيما بعد وظهور حملات مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر، ويخلص في نهاية مدخل الكتاب إلى أن الغالبية العظمى من ضحايا الإرهاب بمختلف أشكاله وصوره كانت من المسلمين.

ثم يأتي الفصل الأول من الكتاب ويقدم فيه التعريفات المختلفة لمصطلح الإرهاب ويرد عليها، ثم يقترح إعادة صياغة تعريف الإرهاب فيقول:
"وأقترح صياغة تعريف الجريمة وتوصيفها على ضوء جريمتي الحرابة والبغي، والتطور في الفكر القانوني الناشئ عن الممارسة، ودمج بعض الجرائم المنظمة الأخرى، كترويج المخدرات التي تعد حرابة، عند الإمام مالك، ليكون المصطلح "تخريب، أي ليكون الإرهاب عبارة عن: ( الأعمال العنيفة، التي ترمي إلى التدمير والإفساد وترويع الآمنين، بقتل الأبرياء وتدمير المنشآت وترويج المخدرات، وكذلك الأعمال العنيفة التي تقوم بها العصابات ضد السلطة الشرعية، لخلق جو عام من العصيان، يشل النشاط العام، ويخوف المدنيين، أو لقلب النظام الشرعي القائم).

ويعلق المؤلف على هذا التعريف فيقول:
"إن هذا التعريف في رأيي يستجيب للهموم التي يشعر بها المتعاطي مع قضية الأمن، وينطلق من أرضية الفقه والتراث والبيئة العقدية للأمة، كما أن مصطلح "التخريب" هو مصطلح واضح، يفهمه المثقف والعامي على السواء".
وطالب المؤلف منظمة المؤتمر الإسلامي تبني هذا التعريف ووضع 3 مصطلحات متعلقة بالتعريف وهي الحرابة والبغي والإفساد في الأرض، ويوضح تعريف كل مصطلح مع تحديد موقف الشرع منه.

ويقول بعد تحديد معنى الحرابة وأوصاف من تنطبق عليهم:
"هذه الأوصاف الستة كل منها يكفي لوصف الجريمة، بأنها جريمة حرابة، والقتل غيلة يعد حرابة، وعناصرها الأساسية: إخافة سالكي الطريق، وترويع الآمنين، والاعتداء عليهم في ظروف غير عادية، في بيوتهم، أو في الشوارع الضيقة، أو المهجورة، أو الاغتصاب، أو سقي المسكر وتقديم المخدر.
وبهذا صنفت جرائم كانت فردية، كجريمة القتل، أو السرقة، أو ارتكاب الفاحشة، أو الاختلاس على جريمة الحق العام، وهي جريمة الحرابة بما تشتمل عليه من خطورة، وكل ذلك يفسر مدى الاهتمام بالأمن الجماعي"
وبعد أن يبين حكم الحرابة ينتقل إلى مصطلح البغي فيقول:
"فاتضح من مذهب مالك- رحمه الله تعالى- توسعه في مفهوم البغي، فكل خروج عن طاعة الإمام أو نائبه بمغالبة، ولو كان الإمام جائرا أو فاسقا، سواء كان الخارج جماعة أو فردا، وسواء كان متأولا أو غير متأول فهو بغي والبغي جريمة سياسية في المصطلح الحديث بامتياز".
ثم يبين عقوبة البغي وهي: "القتال، مع منح الإمام صلاحيات واسعة لتقدير الظروف، وعلى ضوء المصلحة ينزل العقوبة الملائمة".

أما عن مصطلح الإفساد في الأرض فيقول:
"وهذه الجريمة تفرد بها المالكية، دون أن يذكروا لها حدا جامعا مانعا، إلا أن أمثلتها تشير إلى أن كل ما يثير الفتن، ويؤدي إلى المحن، ويمكن اعتباره جريمة فساد في الأرض توقع عليها أشد العقوبات، باجتهاد ولي أمر المسلمين.
المثال الأول: من يستبيح دماء الناس وأموالهم ويكفر العموم، ولو لم يقم بأي عمل مخل بالأمن يعد مجرما جريمة فساد في الأرض، وكذلك الجاسوس الذي يتجسس لفائدة العدو، ولو كان مسلما تعد جريمته فسادا في الأرض فيحكم بقتله".

وأكد المؤلف أن الشريعة الإسلامية بها متسع لوصف جريمة الإرهاب بكل أشكالها مشيرا إلى أن بها الكفاية لتغطية الجانب القانوني لها فقال:
"هذه شذرات من تعريف العلماء لهذه الجرائم تغطي المساحة القانونية لجريمة الإرهاب".

أسباب الإرهاب

خصص المؤلف الفصل الثاني من الكتاب لتحديد أسباب الإرهاب، ورفض حصر الأسباب في النواحي الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، ونحوها مثل الفقر وغياب الديمقراطية، وحرية المرأة، والقضية الفلسطينية وغيرها فيقول:

"وكم من قوم لم يسمعوا عن شيء اسمه الديمقراطية، يعيشون في سكينة، وقد شهدنا في العالم الإسلامي وغيره في فترات طويلة بناء على ما يسمى بنظرية التقاضي في الحكم، وقل مثل ذلك في مسألة المرأة.. إلى آخر القائمة".
ويوضح ملامح لتحديد الأسباب فيقول:
"إن الإرهاب ظاهرة غضبية، احتجاجية، ضاقت عليها العبارة، فعبرت عن نفسها بالتفجير الصاعق، ويصلح أن تكون تراكمية، بمعنى أنها يمكن أن تكون ناشئة عن عدة أسباب، فتكون مركبة وليست بسيطة، لكن عدم التحديد، والجري وراء طرائد متعددة يجعل الباحث كصائد خراش- أي الصائد غير الماهر- فرجع ولم يظفر بشيء".

وقال: "وبالنسبة للإرهاب الحالي في العالم الإسلامي فإن سبب الأسباب، وأس الأساس هو الفكر المشوه والثقافة الملوثة، المأزومة، والفهم المغلوط للإسلام، وأريد أن أشدد، وأؤكد على أن الأمر يتعلق بثقافة معينة، لأن النغمة السائدة واللغة الوافدة ترمي إلى التعميم لتعلق الأمر بعنق الإسلام بأصوله وفروعه، أو على أقل تقدير لترمي بها مذهبا معينا، ليصبح متهما جملة وتفصيلا، ولا يعدو الأمر أن يكون فهما خاطئا وتصورا منحرفا لأفراد ومجموعة لا يمثلون السواد الأعظم ولا الرأي المعتمد".

ويؤكد أن أهم أسباب الإرهاب: "انتحال صلاحيات الحاكم عن طريق بيعة أمير المجموعة، حيث يقرر الحرب والسلام والجهاد والهدنة على أسس ومفاهيم مغلوطة للجهاد والولاء والبراء".

الحلول والمقترحات

يضع المؤلف في ختام الكتاب 10 نقاط يرى أنها المشروع الإسلامي في مقابل المشروع الغربي لمواجهة الإرهاب، وتتضمن هذه النقاط ما يلي:
1- "يجب أن يحدد المشروع الإسلامي مفهوم الإرهاب فما هو الإرهاب الإجرامي؟ وما هو السلوك الإرهابي؟".
ويؤكد أن عدم وجود تعريف متفق عليه يشكل معضلة قانونية وأخلاقية ويفتح آفاقا مظلمة في العلاقات بين الشعوب والأمم، ويتساءل: هل جمع الصدقات للجمعيات الخيرية وتوزيعها علي الفقراء إرهاب؟ وهل إقامة الشعائر ونشر المعاهد الدينية وتدريس العلوم الشرعية إرهاب؟
2- على المشروع الإسلامي أن يقدم رؤية لثقافة التسامح الإسلامي طبقا للمعايير والمرجعية الإسلامية الكفيلة بتجفيف الينابيع الفكرية للإرهاب وتصحيح المفاهم المغلوطة حول الجهاد.
3- التأكيد على الشفافية في الاتهام الموجه للأفراد والدول.
4- عدم أخذ البريء بالمجرم.
5- احترام المواثيق الدولية وسيادة الدول في حال إذا ما وجه الاتهام إلى أفراد أو جماعات ينتمون إلى دولة معينة أو يوجدون تحت سيادتها.
6- وجوب وجود مشروع دولي لمعالجة الفقر يحترم حقوق الدول الفقيرة .
7- احترام التنوع الحضاري والديني والثقافي للبشرية باعتباره إثراء وانسجاما، وليس تباينا وصداما ويبرئ كل الديانات من وصمة الإرهاب وفي طليعتها الدين الإسلامي.
8- ضرورة معالجة المظالم في العالم خاصة القضية الفلسطينية.
9- تحديد مفهوم الإصلاح المطلوب دوليا، سواء تحت مسمى الديمقراطية أو أي مسمى آخر.
10- إيجاد آليات تعاون أمني تنساب فيها المعلومات بشكل متبادل على قدم المساواة دون احتكار يؤكد على الثقة بين مختلف الأجهزة.
وينهي عبدالله بن بيه خطته فيقول:
"إن هذا النقاط العشر تمثل محاولة لإيجاد عقد عالمي طوعي يتمتع بأخلاقية تجعل كل الأطراف تتصرف بطمأنينة وثقة متبادلة تقضي على الإرهاب الإجرامي وتجتثه من جذوره".