رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة فى تاريخ الإخوان


يحدثنا التاريخ أن جماعة الإخوان عندما كانت فى بدايتها، وبينما الإنجليز يتلاعبون كما يشاءون بالملك فؤاد ويحركونه كيفما شاءوا، يأخذون منه ما يريدون، ويسلبون إرادته حتى صار مطية لهم، فكرهه الشعب أيما كراهية، إلا أن الإخوان كانت لهم حاجة عنده وعند نظامه، فضلا عن صلتهم بالإنجليز، تلك الصلة التى أوردها الإخوان فى تاريخهم تلميحا، وأوردها الباحثون تصريحا، لذلك نافق حسن البنا الملك فؤاد نفاقا فجا...

... إذ قال فى خطبة جماهيرية له:» إن الملك فؤاد هو ذخر للإسلام « ثم أخذ البنا فى هذه الخطبة يداعب مشاعر فؤاد وينادى بأن يكون هذا الملك التابع للإنجليز «خليفة للمسلمين» ومن غيره يصلح لهذا الموقع المقدس، ففؤاد على حد قول البنا: «هو خليفة عمر بن عبد العزيز فى العدل والإنصاف».وبعد أن انتهى عهد فؤاد جاء عهد ابنه فاروق الأول، الذى أصبح ملكا على مصر، وإذ أراد البنا الاستحواذ على فاروق أرسل له فرق الإخوان المسلمين تصطف فى الطرقات لاستقباله ولتهنئته على سلامة العودة للبلاد لاستلام الحكم، وتمر السنوات ويقع فاروق فى أتون الفساد، فخرجت المظاهرات ضده منددة بفساده ورعونته ونزقه وعلاقاته النسائية وإدمانه للقمار، إلا أن البنا رسم لنفسه طريقا آخرا يخاصم فيه كل الأطياف السياسية فى مصر إذ قال: إن الملك فاروق ضم القرآن إلى قلبه ومزج به روحه».وعندما تحرك مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد على المستوى الشعبى والبرلمانى مطالبا بتقليص الصلاحيات الدستورية للملك فاروق، وخرجت المظاهرات الشعبية من كل الأحزاب والتوجهات السياسية تهتف «الشعب مع النحاس» فإذا بمظاهرات إخوانية تخرج لهم وكأنها جحافل مختبأة فى كهوف سرية، والغريب أن هتافات الإخوان لم تنضم لمظاهرات الوطن، ولم تطالب بما طالب به الشعب، ولكنها انحازت لفاروق، فأخذت تهتف وكأنها تتعبد لله «الله مع الملك»! وكأن البنا أخذ عهدا على الله أن يكون ـ الله ـ مع الملك ! وأظن أن حسن البنا وصل فى النفاق الدينى إلى حد لم يصل إليه أحد فى عهده، وكان مبتغاه فى ذلك أن يقترب من الملك فاروق صاحب السلطة العليا فى البلاد .ويستمر التاريخ فى فضح نفاق الإخوان، ذلك النفاق الذى استخدموه للتقرب من السلطة الحاكمة فى مواجهة المجتمع المصرى بأكمله، حتى إن المؤرخين المحسوبين على جماعة الإخوان، والذين تحالفوا معها فى أوقات كثيرة ــ ومنهم المستشار طارق البشرى - أبدوا استعجابهم من موقف الإخوان الذى كان مؤيدا ومتحمسا لرئيس وزراء مصر إسماعيل صدقى الذى كان ملقبا بـ «عدو الشعب» وعن التحالف بين البنا وإسماعيل صدقى يقول طارق البشرى «مع كل ذلك، يبقى تأييد الإخوان لإسماعيل صدقى عصيا على التبرير، من وجهة نظر الحركة الوطنية» لم يستطع البشرى تفسير تحالف البنا مع إسماعيل صدقى، مع أن طارق البشرى نفسه تحالف مع الإخوان فى كتابة تعديل للدستور هو الأسوء فى تاريخ مصر، حتى أن كثيرا من الكتاب - وأنا منهم - أطلقوا عليه «عدو الشعب» فهذا التعديل الدستورى كان يخالف المصالح الوطنية بكل المعايير .ولكن تحالف الإخوان مع إسماعيل صدقى لم يكن مجرد تحالف فحسب، ولكنه كان فعلا بشعا ضد الفطرة وضد الخلق السليم، فعندما شن الديكتاتور إسماعيل صدقى حملة اعتقالات واسعة عام 1946، ثم قام بغلق العديد من الصحف التى تعارضه، وكان هذا الفعل بمثابة تكميم للأفواه حتى تغيب الحقائق عن الشعب ويستطيع هو أن يمضى قدما فى تحقيق مصالح الإنجليز، إذا بصحف الإخوان تصدر وهى تنشر فى عناوينها الرئيسية تأييدا لهذه الاعتقالات وتلك المصادرات! مبررة ذلك بأن الظروف تحتم هذا الأمر، لأن سلامة المجتمع وحرية الأمة فوق كل شىء ! وكانت الكارثة التى رواها المستشار البشرى وكثير من المؤرخين تتمثل فى استقبال الإخوان فى الجامعة لإسماعيل صدقى واعتدائهم بالضرب على باقى طلاب الحركة الوطنية ليمنعوهم من الهتاف ضد صدقى، وكانت الكارثة الأكبر التى تتجاوز كل الأعراف والثوابت الدينية، عندما وقف مصطفى مؤمن زعيم الطلاب الإخوان بالجامعة خطيبا أمام إسماعيل صدقى، حينها بدأ خطبته مستشهدا بالآية الكريمة: «واذكر فى الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا»!.ويمر التاريخ ، ويتحالف الإخوان مع عبد الناصر ثم سرعان ما انقلبوا عليه وحاولوا اغتياله، ثم تحالفوا مع السادات ونافقوه ثم قتلوه، وأخيرا عاشوا سنوات فى معية مبارك ينافقونه برغم توتر العلاقة فى بعض الأحيان، إلا أن الإخوان ظلوا على نفاقهم حتى إن مرشدهم بديع قال موجها خطابه لمبارك قبل الثورة: إن مبارك هو أب لنا وأب لكل المصريين».وسبحان الله، من أراد الدنيا والحكم عن طريق الدين، خسف الله به الأرض، ومن أراد الدين، سخر الله له طريق إصلاح الدنيا والحكم.