رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحن والتغيرات المناخية

 

هناك ظاهرة خطيرة أصبحت محور اهتمام جميع دول العالم، لما لها من تأثيرات على الإنسان والحيوان والنبات والأرض والسواحل ومصادر المياه والزراعة والبيئة والثروات الطبيعية، بل وعلى الحياة ذاتها على كوكب الأرض، وهذه الظاهرة الخطيرة التى أقصدها، والتى لها تأثيرات مباشرة على كل شىء هى ظاهرة التغيرات المناخية والتقلبات المناخية نتيجة الاحتباس الحرارى، الذى يعانى منه كل الدول فى كل أنحاء العالم، بسبب الثورة الصناعية التى تسببت فى زيادة انبعاثات الغازات الضارة فى الغلاف الجوى، والتى أدت إلى تداعيات تهدد الثروات الطبيعية ومستقبل الإنسان والحيوان والطيور وغالبية الكائنات الحية بسبب الكوارث الطبيعية وانتشار الأمراض والأوبئة وندرة المياه التى لها تداعيات على الإنسان والزراعة ومصادر الغذاء.

فى شهر أغسطس الماضى أصدرت لجنة المناخ، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، تقريرًا خطيرًا، قالت فيه: «إن انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى قد ارتفعت إلى حد أنه سيسفر عنها اضطراب فى المناخ لعدة عقود مقبلة»، والذى ينبغى أن نعرفه هنا هو أن مصر، وبسبب أن معظم أراضيها مساحات صحراوية وشبه جافة، تعتبر من بين أكثر الدول تضررًا من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، ونحن الآن فى مواجهة تحديات كبيرة ينبغى أن نواجهها بما يقلل من خطورة تأثيراتها وتداعياتها على الإنسان المصرى وعلى الاقتصاد المصرى، ولا بد من أن تضع الدولة من الخطط والسياسات الفعالة ما يمكنها من مواجهة التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية على قطاعات الاقتصاد المصرى والسياحة والزراعة، خاصة أن مصر تعانى من ارتفاع درجات الحرارة وندرة الموارد المائية العذبة باستثناء مياه نهر النيل، الذى قد يتأثر منسوبه باختلاف معدلات الفيضان السنوى، حيث واجه ارتفاعًا فى مستوى منسوبه، فى أغسطس الماضى؛ ما ينذر بإمكانية حدوث فيضان قد يؤثر على السواحل والاقتصاد الوطنى، ولأن السواحل المصرية عرضة لانعكاسات تغيرات المناخ بسبب ارتفاع درجات الحرارة، مما سيؤدى إلى ذوبان الجليد، ثم ارتفاع منسوب المياه فى البحار والمحيطات، مما سيسفر عن تسرب المياه المالحة إلى المياه الجوفية».

وهذه التغيرات فى المياه لها تداعيات على حجم الإنتاج الزراعى، وفى مصر نشرت الهيئة العامة للأرصاد الجوية تقريرًا يضىء لنا اللون الأحمر، ولا بد من التوقف عنده بحلول عاجلة وفعالة ومدروسة، ففى أغسطس الماضى ٢٠٢١، جاء به أن صيف ٢٠٢١، أى صيف العام الماضى، قد شهد ارتفاعًا غير مسبوق فى درجات الحرارة منذ ٥ سنوات بنسبة ٣ إلى ٤ درجات مئوية فوق المعدلات الطبيعية لهذا الوقت من السنة، وهذا شعرنا به جميعًا كمصريين، مما دعا الدولة والحكومة إلى اتخاذ إجراءات جادة.

كما أننا لا بد أن نلتفت أيضًا إلى أن التغيرات المناخية ستؤثر على قطاع السياحة، من حيث تهديد الحياة البحرية، مثل الشعب المرجانية، والتى تجتذب السائحين، حيث إن مصر هى الأعلى مرتبة، والأولى فى السياحة القائمة على الشعب المرجانية، بالإضافة لهذا فإن تهديد حدوث فيضانات وسيول يعنى تعرض المواقع السياحية والشواطئ لتدمير البنية التحتية وتآكل مساحات من القرى والفنادق والمنتجعات الواقعة على طول السواحل المصرية، مما يعنى خسائر بمليارات الدولارات، ومن هنا جاء إنشاء المجلس الوطنى للمتغيرات المناخية فى مصر بقرار من رئيس الوزراء فى ٢٠١٥؛ لرسم السياسات للدولة فى مواجهة التغيرات المناخية، وإذا ما نظرنا نظرة سريعة من حولنا سنجد أننا، فى خلال الشهر الحالى مارس ٢٠٢٢، قد واجهنا موجات برد وأمطار وصقيع لا تتناسب مع ما عهدناه من مناخ معتدل فى السنوات السابقة، وأعلنت لنا هيئة الأرصاد المصرية عدة مرات تحذيرات، بما يؤكد انخفاض درجة الحرارة خلال شهرى فبراير ومارس، رغم أننا بشكل عام قد تعودنا قبل تزايد التقلبات والمتغيرات المناخية على أن بداية فصل الربيع فى مصر تكون فى ٢١ مارس مع توقيت عيد الأم، حيث يكون الجو معتدلًا والشمس تبعث الدفء فى معظم أنحاء البلاد، إلا أننا لا نزال نعانى، حتى اليوم، من برودة الجو وانخفاض غير طبيعى فى درجة حرارة الجو بالنسبة لشهر مارس، وفى مواجهة تزايد هذه التغيرات المناخية تشارك الدولة المصرية فى المؤتمرات الدولية واللجان المعنية بقضايا البيئة والتغيرات المناخية، كما تبذل جهودًا كبيرة فى اتخاذ الإجراءات الفعالة فى مواجهة التغيرات المناخية، إلا أننى، من ناحية أخرى، أرى أنه من الضرورى أن يشارك المجتمع المدنى ومؤسساته فى مواجهة التحديات ذات التأثيرات الضارة على الحياة فى بلدنا، ومن الضرورى رفع درجة الوعى المجتمعى بأخطارها وسبل مواجهتها.

وتشمل عواقب تغير المناخ، كما أكدها آخر مؤتمر دولى فى جلاسكو، أن من بينها الجفاف الشديد وندرة المياه والحرائق الضخمة وارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات الكبيرة وذوبان الجليد القطبى والعواصف الكارثية وتدهور التنوع البيئى وخطر المجاعة، لهذا أصبح العمل المناخى هدفًا عالميًا، وأصبح تغير المناخ فى مركز العمل التنموى.

وسوف تستضيف مصر مؤتمر الأمم المتحدة لقمة المناخ لعام ٢٠٢٢ ممثلة عن القارة الإفريقية، وذلك بمدينة شرم الشيخ فى نوفمبر المقبل، مما يعتبر فى تقديرى نجاحًا جديدًا لريادة مصر وتقديرًا عاليًا لجهودها ومكانتها الحالية فى الاهتمام بقضية تغيرات المناخ وإطلاق استراتيجيتها الوطنية لتغير المناخ ٢٠٥٠، وذلك على هامش مؤتمر المناخ بجلاسكو، حيث تبين ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية ١،١ درجة مئوية، وأوضح المؤتمر الأخير بجلاسكو أيضًا أنه لا بد أن تسهم الدول الصناعية الكبرى فى مساعدة وإنقاذ العالم والدول النامية مما يحدث نتيجة الغازات السامة المنبعثة من مصانعها، والتغيرات المناخية التى تهدد الحياة البشرية والحيوانية والموارد الطبيعية والبيئية وغيرها من الأخطار التى يتعرض لها العالم.

ويؤكد المراقبون أن مؤتمر قمة المناخ فى القاهرة سيكون من أهم المؤتمرات الدولية رفيعة المستوى بعد قمة باريس للتغيرات المناخية فى ٢٠١٥، ولا شك أن مؤتمر جلاسكو الأخير، الذى شاركت فيه مصر، قد دق جرس إنذار بضرورة مواجهة خطورة التغيرات المناخية على الحياة ذاتها على كوكب الأرض، وأذكر هنا أهمية كلمة قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى، أثناء مشاركته فى قمة تغيرات المناخ بجلاسكو فى نوفمبر ٢٠٢١: «إن التقرير الأخير للجنة الحكومية الدولية حول تغير المناخ يؤكد أن تعزيز عمل المناخ لتحقيق هدف ١،٥ درجة مئوية صار أمرًا حتميًا لا يحتمل التأخير»، وبهذه العبارة دق الرئيس عبدالفتاح السيسى ناقوس الخطر، مما سيعانى منه العالم من التغيرات المناخية، مما يتطلب تعاونًا دوليًا لإنقاذ كوكب الأرض من كوارث مقبلة لا محالة وقبل فوات الأوان.