رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في اليوم العالمي للشعر.. عزة حسين: نتمنى له النجاة

عزة حسين
عزة حسين

الشعر هو أحد أشكال التعبير وأحد مظاهر الهوية اللغوية والثقافية، أي أغنى ما تمتلكه الإنسانية، فمنذ قديم الزمان، عرفت كل القارات بمختلف ثقافاتها الشعر، إذ يخاطب القيم الإنسانية التي تتقاسمها كل الشعوب، فالشعر يحول كلمات قصائده البسيطة إلى حافز كبير للحوار والسلام. ولذا، تم تخصيص يوم 21 مارس من كل عام للاحتفال باليوم العالمي للشعر.

في هذا السياق قالت الشاعرة والكاتبة الصحفية "عزة حسين": في ظل ما يمر به العالم من تحولات وتقلبات نتمنى النجاة للشعر نفسه، وألا تنعكس حالة الردة الإنسانية والفكرية الحالية على جوهر الشعر ومفهومه ولغته وجمالياته، فتوقف أو تطمس المكتسبات التاريخية للشعر، التي انتزعها هذا الفن عبر أكثر من سبعة عقود- منذ منتصف القرن الفائت- عانى خلالها التهميش والهجوم، والتجني والتغييب العمدي، لصالح فنون أخرى، ولصالح أدوار غير إبداعية، كالإعلام والتأريخ والتغني بالأنساب، وعملقة الذوات والأمجاد وتسخير المنابر للطغاة.

التخلص من كل ما هو شعري

وتابعت حسين: "في رأيي أفضل ما جرى للشعر في عقوده الأخيرة هو التخلص من كل ما هو غير شعري؛ التخفف من زعيق الإيديلوجيا، وتقشير اللغة من زوائدها، واستنبات الجمال من الفردي والعادي واليومي والحقيقي، ليس بهدف الانسلاخ عن العالم وقضاياه كما يدعي من لا يملون المطالبة بإعادة الشعر إلى خندق الأغراض القديمة بحلاها المصطنعة وأفخاخ الرطانة والادعاء، ولكن انتصارًا للإنسان الفرد، الذي لا يُرى ضمن أغراض الفن القديم سوى كرقم ضمن قبيلة أو جماعة أو أمة  أو حزب. 

الشعر ليس موظفًا بدوام للتجييش

ولفتت حسين إلى أنه كلما ازداد السعار الذي يعتري العالم أفكر في الشعر؛ في أكثر ما يعيبونه عليه ويعتبرونه إكليشيهيًا بشأنه وهو اهتمامه بالعادي واليومي والفردي، لأنه في رأيي أجلى طرق الانحياز للإنسانية وإنقاذها من كذب الساسة وتوحش الاقتصاديين وأبواقهم.

وأضافت: "الشعر ليس موظفًا بدوام للتجييش والاستنفار أو الندب على الأطلال، خصوصًا الآن، بل ضرورة نفسية – وجودية، ووسيلة لترويض الموت وتهوين تحمل الإنسان له، كما يرى الأكاديمي التونسي الدكتور مبروك المناعي أنه أداة لتهذيب النفوس، وواحد من عوامل تجديد اللغة، وشكل من أشكال الحضور في العالم، وهو المعنى الذي تقاربه مقولة رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل: "لو خيرونا بين التخلي عن كل مستعمراتنا، وبين مؤلفات شكسبير، لاحتفظنا بما تركه شكسبير". 

الشعر حاجة إنسانية كبرى

 وأكدت حسين على أن الشعر حاجة إنسانية كبرى، وهو بحسب أرسطو عالمي وفلسفي أكثر من التاريخ، وذو أثر بالغٍ لكنه أثر تراكمي وجداني؛ يتوخى الصدق والجمال والانحياز للحياة، عبر أدق وأجلى مفردات الكون؛ وفي بساطته ورهافته ولا محدوديته هذه تكمن قدرته اللامحدودة - برأيي – علي تقديم العون للإنسانية.

وعن أثر النوائب والأوبئة والحروب على القيم الجمالية للشعر أجابتنا: "هؤلاء هم الظرف الأزلي للشعر والحياة؛ الحروب والأوبئة والنوائب ليست سياقات جديدة على الشعر؛ إنها سياقات الوجود منذ كان البشر أسرة واحدة بعدد أصابع الكف، فلم يحل ذلك دون تسرب الكراهية ووقوع القتل وتوطين الندم. وكل هذه المفردات على قتامتها مشحونة شعريًا، وطالما توسلها الفن والجمال.

الفكرة أننا كنا طوباويين كثيرًا عندما ظننا أننا عاصرنا من الحداثة والإدراك والندم ما يمكننا من النجاة من حماقات القرون الغابرة، واستنشقنا الأمل الذي منحته لنا الميادين، فلم نتوقع أن تتسمم الأجواء بهذه السرعة، ليعاود تجار الحروب ومرتزقتها ترويج بضاعتهم على نحو أكثر شراسة.

في هذا السياق وجد الشعر نفسه من جديد وبكثافة في حضرة الموت؛ محاصر بالرعب والقسوة، والارتداد  للصراعات البدائية، ما جعل العديد من نقاد الفن يقرنون بين القيم الجمالية لفنون ما بعد الحداثة ونظيرتها في فنون ما قبل التاريخ، حيث ضراوة الواقع وتمحور الصراع الإنساني حول البقاء، متوسلًا بأدوات غير إنسانية.

وختمت عزة حسين: "يسهل تلمس القيم الجمالية لشعر ما بعد الحداثة، وما بعد بعد الحداثة متجسدة بوضوح، كونها التيار الذي نبت وترسخ في الفترة التالية للحرب العالمية الثانية، الشبيهة كثيرًا بزمننا الحالي، لكن الأكثر جدوى هو الاجتهاد في تتبع ما أفرزته التجارب الإبداعية الجديدة ومحاولة مواكبتها بالتفكيك والنقد والدراسة، لأن الأكيد أن هذه الأجيال التي عبرت الألفية الأخيرة، واجتمعت عليها أهوال كانت موزعة على القرون الأسبق لديها تجربة وأدوات ومفردات وأفكار تمنحها فرادة وخصوصية، تتطلب مواكبة نقدية وفكرية موازية..