رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

توم وجيرى.. لا أحد ينجو من الحب أو الحرب «٣-٣»

 

لم يتوقف الاهتمام الأمريكى بالشخصية الروسية طوال القرن العشرين وما بعده، وكانت السينما الأمريكية هى الأداة الأسهل تطويعًا فى رسم وتأطير صورة العدو المستبد الهمجى. 

وقد حرصت السينما الأمريكية على هز صورة الرؤساء الروس، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، فتم تقديمها فى صورة شخصيات، لا حول لها ولا قوة، ودائمًا ما يلجأون لطلب المساعدة والتعاون مع الولايات المتحدة، مما يعزز صورة أمريكا الراعى الرسمى للعالم، والذى تشمل رعايته حتى العدو القديم. فنجد رئيسًا روسيًا يستعين بقوات أمريكية لاعتقال رئيس إحدى الجمهوريات السابقة، ويحتفل بالرئيس الأمريكى ويقدمه فى حفل استقبال فى الكرملين باعتباره أعظم رجل فى العالم، ورئيسًا يتم اغتياله أثناء وجوده فى واشنطن لحضور جنازة نائب الرئيس الأمريكى الذى يصفه بالصديق وأقوى داعم لروسيا فى الغرب. ورئيسًا يقوم وزير دفاعه باعتقاله رفضًا لضعفه وتعاونه مع الولايات المتحدة، وتقوم قوات أمريكية بإنقاذه وتحريره.

فبعد انهيار الاتحاد السوفيتى تحولت صورة المسئولين الروس من الديكتاتوريين والمستبدين إلى الفاسدين والمرتشين، وتحول الرؤساء من الديكتاتوريين إلى الرؤساء الضعفاء الذين يخضعون للفاشيين والمتآمرين. فلم يعد للرؤساء الروس الهيبة القديمة.

وقد أعربت روسيا الاتحادية عن رفضها هذه الصورة، فمنعت عرض فيلم Hunter killer 2018 فى السينمات الروسية، ورأى خصوم الكرملين أن الرقابة قررت حظره لأنه يقوض صورة الشخص القوى للرئيس بوتين، ويهز من هيبة الكرملين ومؤسسات السلطة. 

فى الوقت ذاته حرصت الأفلام الأمريكية على تصوير شخصيات الجندى والقناص والبحار الروسى، وقد تميزت هذه الشخصيات بالوطنية والتضحية من أجل روسيا الوطن الأم، وقد تم تعريض هذه الشخصيات للغرق أو الموت أو المرض نتيجة التعرض لإشعاعات نووية بعد انفجار المفاعل النووى للغواصتين التى كانوا طاقمها. وقد أظهرت الصورة، التى قدمتها أفلام الدراسة، حالة من التعاطف مع هؤلاء الجنود، وألقت بالمسئولية على القادة الكبار والجنرالات فى الحكومة والجيش السوفيتى، حيث تم تصويرهم فى صورة من لا يرحم، ومن لا تعنيه حياة جنوده فى سبيل تحقيق السبق العسكرى، حتى إنهم كانوا يطلقون النار على الجنود المنسحبين أمام الهجوم الألمانى. وسوء الحالة التنظيمية للجيش السوفيتى، حيث يحشر الجنود فى عربات قطار غير آدمية وبأعداد كبيرة، كذلك عدم توفر الأسلحة والذخيرة لجنود المقاومة، استغلال المسئولين السوفيت شخصية القناص «فاسيلى زايتسيف» دعائيًا لإرهاب الألمان ورفع الروح المعنوية للمقاومة، إظهار مدينة ستالينجراد كمدينة مدمرة بالكامل دون وجود مبنى واحد دون خراب.

وقد أرسل عدد من قدامى المحاربين السوفيت رسالة إلى البرلمان الروسى يشجبون فيها فيلم «العدو على الأبواب». وقالوا إن المخرج الفرنسى Jean-Jacques Annaud‚s، لم يعكس معركة «ستالينجراد» بدقة، كما وقعت، وأعلنت وكالة «إيتار تاس» الروسية أن المحاربين القدامى غضبوا من تصوير الفيلم للجنود السوفيت وكأنهم مجرد منفذين لأوامر قادتهم وكأنهم مجرد طلقات للمدافع. وطالبوا بمنع عرض الفيلم فى السينمات الروسية. 

ولكن كان هناك بعض اللقطات الإيجابية: مثل الروح المعنوية المرتفعة للأفراد العاديين الذين انضموا للمقاومة وغنائهم ورقصهم رغم الحصار والدمار فرحًا بأى بادرة لنصر محتمل.

أما رجال الأعمال الروس فظهروا فى صورة الرجل الجشع المراوغ الكاذب الذى يسعى لمجده الشخصى حتى لو كان الثمن تعرض أهالى موسكو للموت تجمدًا من البرد، وأيضًا صورة الشخص المتآمر الذى يستهدف تحطيم الاقتصاد الأمريكى.

وكان للمرأة الروسية نصيب كبير من الصورة المحرفة عن النساء الروسيات، فغالبًا ما تظهرهن الأفلام الأمريكية كعميلات للمخابرات، وانقسمن إلى: عميلة على درجة معلمة أو مديرة مدرسة لتعليم العسكريين من الشبان والشابات فنون الإغواء واستخدام الجنس فى العمليات المخابراتية، وعميلتين فاعلتين فى جهاز المخابرات وتم تكليفهما بمهام تتعلق بإغواء وإسقاط جواسيس أو مسئولين أمريكيين «Red Sparrow 2018» وعميلة خاصة بمهمة تدمير الاقتصاد الأمريكى عبر عمليات مالية مركبة.

وعميلة خاصة بسرقة شفرة إطلاق الصواريخ النووية Mission: Impossible – GhostProtocol 2011، وعميلتين خامدتين نشطت كل واحدة منهما فى وقت محدد للقيام بمهمة محددة، وقد تم زرع واحدة منهما لدى عائلة أمريكية وتربت على أنها طفلة ومواطنة أمريكية حتى إنها التحقت للعمل بالمخابرات المركزية الأمريكية CIA وعند لحظة معينة كشف لها مدربها الروسى عن نفسه، وأوضح لها مهمتها وهى اغتيال الرئيس الروسى أثناء زيارته واشنطن لأداء واجب العزاء والمشاركة فى مراسم جنازة نائب الرئيس الأمريكى والتسبب فى حرب نووية Salt 2010.

وتقديم المرأة أو معظم النساء الروسيات فى صورة نساء عاملات بالمخابرات مع ما يتضمنه هذا العمل من خداع وكذب وتجسس واستخدام لأساليب غير أخلاقية لإغواء من يعملون لاستغلاله، مما يرسم صورة سلبية للنساء الروسيات.

الصراع الأمريكى الروسى هو صراع مصالح أيديولوجية وجغرافية، وهو صراع طويل ومستمر تنتقل أماكنه من ألمانيا، كوبا، الكوريتين، أفغانستان، سوريا، وأخيرًا أوكرانيا.. فما يحدث فى أوكرانيا ما هو إلا نغمة جديدة فى لحن الصراع والتوازنات الأمريكية الروسية، ولكن هذه النغمة يتم عزفها دائمًا بأرواح ودماء الأبرياء.