رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الفضفضة الأخيرة لأنيسة حسونة 1».. رجل يرتدي الأبيض سبق الأطباء لإخبارها بالسرطان

أنيسة حسونة
أنيسة حسونة

تحدثت النائبة الراحلة أنيسة حسونة عن وقائع إصابتها بالسرطان، وهو المرض الذي تفاقم وعانت منه كثيرا في رحلتها معه، وذكرت هذه الرحلة بالكامل في كتابها الصادر عن دار الشروق للنشر والتوزيع تحت عنوان "بدون سابق إنذار.. قصتي مع السرطان".

أما عن كيف عرفت أنيسة حسونة بإصابتها فتقول: "ألح زوجي على الدكتورة نجلاء عبد الرازق أن تطلب مني إجراء أشعة بأسرع ما يمكن دون أن تخبرني بتفسيرا لذلك، سوى اننا نراجع بعض نتائج التحاليل لا أكثر ولا أقل، وقالت لي ذلك بابتسامة جميلة، وبالتالي لم يساورني أي قلق، واعتبرت المسألة استمرارا لهواجس زوجي التي اعتبرتها غير مبررة في ذلك الحين، وبالفعل تم أخذ ميعاد عاجل بواسطة الطبيبة في صباح اليوم التالي في ألفا سكان، وهو أحد المراكز الشهيرة للأشعة، وطيلة الطريق رحت ألوم شريف في غضب على هواجسه المبالغ فيها، وتشاجرنا بسبب ضغطه المستمر على إجراء الأشعة والتحاليل دون سبب مقنع في نظري، واحتمل المسكين عصبيتي وانفعالي لأنه لم يكن قادرا على إخباري بدوافعه الحقيقية المؤسسة على نتائج تحاليل الأورام".

وتكمل أنيسة حسونة: “قضيت ليلتي قلقة لأنني أكره الذهاب للأطباء بصفة عامة، وفي الصباح ذهبت مع شريف للمركز وانا واثقة أنه ليس هناك شئ يبرر هواجسه، فقد أجريت تحاليل سابقة منذ ثمانية أشهر فقط في ديسمبر 2015، ولم يكن بها اي شئ يدعو للقلق، ودخلت قاعة الانتظار المكتظة بالمرضى الذين كان معظمهم من الطاعنين في السن”.

وتواصل: "بعد انتظار قصير أتت إحدى الممرضات لدعوتي للداخل لإعدادي لإجراء الأشعة المطلوبة وشرب كمية من الماء مخلوطة بمحلول يساعد على وضوح الأشعة، وأظن أنه كان محلولا يحتوي على الصبغة، ثم استدعيت لغرفة أخرى بدون شريف بها ستائر تقسمها إلى مساحات صغيرة لانتظار كل مريض وتمر الممرضات بين الحين والآخر للتأكد من شرب السائل قبل دخول غرفة الأشعة وهذه كانت فترة مملة وطويلة لا تمر بها الدقائق إلا بصعوبة شديدة.

وتسرد حسونة معاناتها مع الانتظار وذلك التوتر الرهيب الذي يغلف كل شئ، وتسرد أنها في مثل هذه الأحوال تقرأ الفاتحة وسورا قصيرة من القرآن وكانت تغفو لدقائق:" ارتديت ثوب الكشف الأزرق وطلبت مني الممرضة الصعود إلى سرير الأشعة وتثبيت ذراعي في وضع معين، مؤكدة على ضرورة الثبات على ذلك الوضع لنجاح صور الأشعة، وبعد دقائق قليلة بدأ الجهاز الاسطواني الكئيب عمله في رتابة وأنا أفكر في الطبيب الذي يجلس في الغرفة الزجاجية يتابع صور الأشعة التي يثبت بعضها سلامة صحة أصحابها أو إصابتهم بعوارض يمكن علاجها.

وبعد أن تصف حسونة رقودها على سرير الأشعة تقرأ آيات الذكر الحكيم وغفت لدقائق ورأت في غفوتها سحبا بيضاء وشخصا يرتدي رداء أبيض طويل يخاطبها بما مضمونه: "يجب أن تستعدي للذهاب لأن الوقت أوشك على الانتهاء، ويتبقى لك ثلاث دقائق ثم تذهبين إلى مكان جميل، فأجبت قائلة: "وهل سيحبونني هناك؟"، قال:" نعم فإنك ستقومين بأشياء طيبة ولذلك سيرحبون بك"، ولا أعلم كم استغرق ذلك من الوقت ولكني شعرت فجأة بيد الممرضة تربت على كتفي قائلة إن الأشعة قد انتهت، ففتحت عيني وأنا في دهشة بالغة، فقد كانت هذه هي المرة الأولى في حياتي التي يحدث لي فيها شئ مثل ذلك، فأنا في العادة لا أحلم وإن حلمت لا أتذكر أي شئ في أحلامي، فما بالك أن أرى شئ يشبه الرؤيا؟.

وعرفت حسونة من رؤيتها أن هناك قلق، وأحست به قبل أن  تعرف ما بالأشعة، والرؤيا هنا لم تكن فقط لحسونة وإنما سبقها رؤيا لزوجها في حادث وقع لوالدتها:" شعرت وأنا أنهض من سرير الأشعة  بالقلق، لأنني تذكرت أنه عندما كانت والدتي في المستشفى ولم نكن نعلم أن أمامها بضع ساعات فقط ثم تكسر قلوبنا إلى الأبد بمغادرتها لدنيانا، كان شريف يقف في ركن الغرفة يصلي وعندما رفع رأسه للركعة الثانية رأى والدي رحمه الله واقفا أمامه في رداء ابيض مبتسما دون أن يتكلم ولم يخبرنا شريف بذلك في حينه، وإنما أدرك في داخله أن والدي هناك لاصطحاب والدتي فنزل مسرعا إلى غرفة الرعاية قرب الفجر ليجد أن والدتي قد انتقلت بالفعل إلى رحمة الله.

وعلمت حسونة عن قرب رحيلها عن الحياة وتسائلت بذلك وهل ما رأته هو إشارة أم أنه مجرد خاطر؟، وقصت على زوجها ما رأت، لانني من اصحاب الذاكرة الضعيفة، ولكن لم يبد عليه شئ ولم يعطي إجابة شافية وعرفت بعد ذلك أنه أخفى عني الأخبار طوال الوقت وتحمل وحده الصدمة والألم وخوفه على رفيقة حياته وهواجس احتمالات رحيلها المحتوم ولذلك قرر أنه لن يخبرني خلال فترة سفري ما اكتشفه من التحاليل حتى لا أواجه الامر وحدي وأنا على بعد آلاف الأميال.

وتواصل حسونة: "أخبرنا مركز تشخيص الأشعة أننا سنعرف انلتيجة خلال يومين، فغادرنا وعدنا إلى المنزل بدون ان يخطر ببالي أن حياتي توشك أن تشهد تحولا جذريا في مسارها، وأنها لن ترجع ابدا لما كانت عليه واستمر شريف في مفاجآته ليخبرني مساء نفس اليوم أن النتائج ظهرت بالفعل نتيجة لاتصاله بكل من يعرفهم من الاطباء، وأنه حدد موعدا مع أكبر معالجي الاورام الدكتور تامر النحاس في ظهر اليوم التالي، وقد بدا لي حينها أن شريف يسابق الزمن بإصرار غير مفهوم ولكني مع ذلك استسلمت للذهاب دون أن أفهم شيئا من صور الأشعة التي كانت معنا، وحملنا صورة الأشعة كبيرة الحجم واتجهنا لحي المهندسين لمركز الدكتور تامر النحاس.

وتكمل: "وبدا لي المركز مختلفا عن مزهر العيادات النمطية، وحياني أحدهم بابتسامة:" أهلا سيادة النائبة"، ولم اسعد بذلك فلم أكن في حالة نفسية تسمح بتبادل الحديث، وفوجئت بإحضاره عددا من مجلة 7 أيام والمصري اليوم ليخبرني أنه متابع لمقالاتي بانتظام، فشكرته على اهتمامه، وعندما استدرت لأجلس فوجئت بابنتي الكبرى سلمى التي حضرت من الساحل خصيصًا جالسة هناك بالفعل، وبعد دقائق لحقت بها ابنتي الصغرى مها، وقد فوجئت بذلك لان موعدنا مع الطبيب كان في يوم عمل بالنسبة لها، وبعد دقائق أخرى وصل شريف ونظرت لهم جميعا في اندهاش لأنها بدت كزيارة عائلية موسعة للطبيب.

وبعد تبادل القبل كان هناك شئ من توتر يسري في جسد أنيسة حسونة خاصة حين كانت إجابتهم عن سبب قدومهم أنهم يريدون الاطمئنان عليها والوقوف بجوارها، ولكن لم يخطر ببالها أنها مصابة بمرض خطير وإنما كل تصوراتها كانت مجموعة من الأورام الليفية الحميدة وبعض القرح والالتهابات:" وبعد فترة قصيرة طلب منا الدخول لغرفة صغيرة بها طبيب شاب وجلست محاطة بزوجي وابنتي سلمى ومها، وبدأ الطبيب حديثه مفترضا أنني أعلم ما بالأشعة فاستمعت إليه دون إدراك لمغزى كلماته وفجأة سألته: "هل معنى كلامك أنني مصابة بالـ" cancer"، فأجابني ببساطة: “نعم عندك سرطان”.