رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لحظات حرجة.. تداعيات الصراع فى أوكرانيا على الأمن الإسرائيلى

الصراع فى أوكرانيا
الصراع فى أوكرانيا

تتابع المؤسسات السياسية والأمنية فى تل أبيب الحرب فى أوكرانيا بقلق كبير، خوفًا من امتداد النيران إلى إسرائيل، وتطور الأوضاع فى اتجاه غير مرغوب به نتيجة أى خطأ غير مقصود أو تقدير خاطئ للأمور، بالإضافة إلى بحث الفرص المتاحة فى الأزمة للاستفادة منها.

من بين كل تداعيات الحرب، تركز القيادة الإسرائيلية على ٣ ملفات أساسية قد يكون لها تأثير مباشر على تل أبيب، وهى احتمالات انهيار التوازن على الساحة السورية، فى ظل الانخراط الروسى فيها، وتأثير الأوضاع الدولية على الاتفاق النووى الإيرانى، بالإضافة إلى ما يمكن أن تؤول إليه الأمور فى ملف غاز شرق المتوسط، وهو ما نتناوله فى السطور التالية.

تخوف من انهيار التوازن فى سوريا.. ورهان على عدم رغبة موسكو فى فتح جبهة جديدة

ترى المؤسسة الأمنية فى إسرائيل أن كل شىء أصبح واردًا فى العالم، فى ظل التطورات الأخيرة، فلا أحد يستطيع أن يدرك انعكاس الحرب فى أوكرانيا على الساحة السورية، خاصة أن الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، قد يقدم على فرض قيود على العمليات العسكرية التى تقوم بها إسرائيل فى الأراضى السورية، بهدف ترميم موقعه كقوة عظمى، وخلق توازن رعب فى مواجهة القوات العسكرية الغربية المتواجدة فى المنطقة، ما يخل بالتنسيق المستمر بين الجانبين منذ سنوات.

وبالنسبة لإسرائيل، فإن هذا السيناريو سيكون سيئًا؛ لأن ذلك سيسهل انتقال سلاح أكثر تقدمًا إلى سوريا، وإلى لبنان، ومن شأنه أن يسهم فى تطوير سلاح «حزب الله» اللبنانى والميليشيات الإيرانية العاملة فى سوريا ولبنان وغيرها.

وتؤكد عدة تقارير غربية أن الجيش الإسرائيلى يشن هجمات كثيرة على أهداف فى منطقة هضبة الجولان السورية المحتلة؛ لإحباط محاولات «حزب الله» نشر قوة عسكرية مهمة فى المنطقة.

ووفقًا للمحلل السياسى الإسرائيلى يانيف كوفوفيتس، فإن الغرف المغلقة فى تل أبيب تتخوف من أن تدفع الإدانة الإسرائيلية للهجوم على أوكرانيا «بوتين» إلى تغيير توجهه فيما يتعلق بهجمات الجيش الإسرائيلى على هضبة الجولان. 

كما تتخوف الدوائر الأمنية فى تل أبيب من رد فعل «بوتين» حال بدء قوات حلف الشمال الأطلنطى «الناتو» وقوات عسكرية أخرى بالتحرك فى اتجاه البحر المتوسط، أو نحو دول المنطقة، ما قد يدفعه لاستخدام أجهزة الحرب الإلكترونية والهجمات السيبرانية لعرقلة ذلك، ما يقيد حرية عمل الجيش الإسرائيلى، ويشوش على المنظومات التكنولوجية والعسكرية والمدنية فى إسرائيل.

فيما حذرت دراسة بمعهد الأمن القومى فى تل أبيب من احتمالات استغلال روسيا ساحة عملها فى سوريا؛ كى تثبت للولايات المتحدة أنها تملك أدوات تخلق جبهات إضافية قابلة للانفجار، إلى جانب أوروبا الشرقية.

فى المقابل، يراهن كثيرون فى تل أبيب على أنه لا توجد أى مصلحة لروسيا فى فتح جبهة إضافية جديدة على الساحة السورية، ويرى المراقبون الإسرائيليون أن الهجمات ضد أهداف إيرانية فى سوريا تعود بالنفع على روسيا، لأن إيران تنافسها فى السيطرة على سوريا، وفقًا للرؤية الإسرائيلية. 

ويؤكدون أنه، حتى الآن، لم يصدر عن موسكو أى ردة فعل غير عادية تجاه ٥ غارات شنت على أهداف سورية، خلال الشهر الأخير وحده، ونسبت جميعًا إلى إسرائيل. ويوضحون أن روسيا أعلنت، فى موازاة العمليات العسكرية، عن أن التنسيق مع إسرائيل فى المجال الجوى السورى سوف يستمر، لذا فمن المرجح أن تستغل إسرائيل انشغال الروس فى أوكرانيا، لتكثف غاراتها الجوية ضد أهداف إيرانية فى سوريا، بل وربما ضد أهداف سورية أيضًا.

قلق من تمسك طهران بقدراتها النووية خوفًا من المصير الأوكرانى

بالنسبة إلى إسرائيل، فإن الأزمة فى أوكرانيا يمكن أن تؤثر على التحدى الاستراتيجى الأكثر أهمية بالنسبة لتل أبيب، وهو الاتفاق النووى الإيرانى، فى ظل احتمالات عرقلة المفاوضات فى فيينا للعودة إلى الاتفاق النووى بين الدول الكبرى وطهران، التى بلغت المراحل الأخيرة.

وحسب التقديرات فى تل أبيب، فإنه ليس واضحًا ما إذا كانت الدول الكبرى ستتمكن من إيصال المفاوضات إلى اتفاق، أم أن روسيا ستدعم المواقف الإيرانية لتحدى الولايات المتحدة، وخلق جبهة أخرى فى مواجهتها، خاصة أن المشهد الحالى فى أوكرانيا يشجع طهران على عدم التخلى عن قدراتها النووية، لأنها قد تجد نفسها مستقبلًا فى مواجهة تهديد وجودى مثلما يحدث مع أوكرانيا.

ففى سنة ١٩٩١، عندما أعلنت أوكرانيا استقلالها، كان لديها، فى حينه، ثالث أكبر مخزون من السلاح النووى فى العالم، ثم فى عام ١٩٩٤ قررت أوكرانيا التخلص من كل هذا السلاح النووى، وانضمت إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. 

فى مقابل ذلك، وقّعت روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا «مذكرة بودابست»، التى تعهدت فيها الدول الكبرى الثلاث باحترام استقلال أوكرانيا وحدودها، والامتناع عن التهديدات، واستخدام قوة عسكرية أو اقتصادية تمس سيادتها وسلامة أراضيها أو استقلالها السياسى، لكن فى فبراير ٢٠١٤ ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، ثم تطورت الأوضاع إلى ما هى عليه الآن.

يرى المراقبون فى إسرائيل أن هذا التسلسل الزمنى ربما يشجع إيران على عدم التخلى عن مشروعها النووى، خاصة أن قرار الرئيس الأمريكى، جو بايدن، بعدم التدخل عسكريًا فى الأزمة والاكتفاء بالعقوبات على روسيا يعيد إلى الأذهان العقوبات التى فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة على طهران، دون فرض أى تهديد عسكرى عليها.

ترقب لفرصة زيادة تصدير الغاز إلى القارة الأوروبية

قبل اندلاع الأحداث فى أوكرانيا، بدأ القادة الأوروبيون التفكير فى بدائل للغاز الروسى، ودار الحديث، فى حينه، عن التوجه الأوروبى للطاقة النظيفة، وتقليل استخدام الوقود الأحفورى، كجزء من التحرك العالمى لمواجهة أزمة تغير المناخ.

ومع ارتفاع التوتر بعد الحرب فى أوكرانيا، وطرح إمكانية حظر تصدير الغاز الروسى إلى أوروبا، ازداد اهتمام القادة الأوروبيين بإيجاد بدائل للغاز الروسى، خاصة أن التوسع فى استخدام الطاقة النظيفة قد يحتاج إلى خطة تنفذ ما بين ٣ و٥ سنوات؛ حتى تكون المنشآت جاهزة للاستخدام.

فى ظل تلك الأوضاع، ترى إسرائيل أن الفرصة سانحة لطرح نفسها كمصدّر رئيسى للغاز إلى أوروبا، خاصة أنها تصدره بالفعل إلى عدة دول.

ويرى ألكسندر كومان، الأستاذ بكلية الإدارة فى جامعة تل أبيب، أن «أوروبا أصيبت بالهيستيريا؛ لأن مصيرها الآن فى أيدى بوتين»، ويضيف: «فكرة أن بوتين يجلس الآن ويده على الصنبور وبإمكانه، متى شاء، أن يفتح أو يغلق إمدادات الغاز إلى أوروبا هى سيناريو رهيب بالنسبة إليهم».

ويشرح «كومان» أن «إحدى الطرق لتصدر إسرائيل الغاز إلى أوروبا، هى إنشاء خط أنابيب بديل، ينقل الغاز- أو ربما الكهرباء- من مصر وإسرائيل، وربما من المملكة العربية السعودية، إلى أوروبا عبر قبرص»، فى إشارة إلى خط أنابيب «إيست ميد»، وهو مشروع مخطط له، يربط مباشرة موارد الطاقة الطبيعية فى شرق البحر الأبيض المتوسط بأوروبا، وتم التخطيط له فى سنة ٢٠١٣، وكان من المقرر أن يوضع قيد الاستخدام سنة ٢٠٢٥، بعد موافقة إسرائيل على الخطة فى ٢٠٢٠، لكن التنفيذ توقف بعد أن تخلّت إدارة بايدن عن دعم المشروع فى الشهر الماضى.

ويوضح أنه، وفى ضوء الأزمة فى أوكرانيا، فقد تكون الفرصة سانحة لإعادة النظر فى فرص خط أنابيب «إيست ميد»، إذا كانت الولايات المتحدة على استعداد للتراجع عن انسحابها منه.

وتبين التقارير أن إسرائيل اهتمت بالغاز الطبيعى خلال الـ١٥ عامًا الماضية، وحتى سنة ٢٠١٢ كانت إسرائيل تستورد الغاز، لكن الاكتشافات التدريجية لاحتياطيات أكبر من الغاز الطبيعى فى إسرائيل حولتها كمنتج مكتفٍ ذاتيًا للغاز ومصدّر له.

وحاليًا، تأتى إمدادات الغاز الإسرائيلية بشكل أساسى من حقلين أساسيين للغاز الطبيعى، هما: حقل تمار، الذى يحتوى على نحو ١٠.٨ تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى، وحقل ليفيثان، الذى يحتوى على ٢٢ تريليون قدم مكعب، وهو يكفى إسرائيل لعقود، وفقًا لمعدلات الإنفاق الحالى، ويمنحها فرصة التصدير.

ورغم ذلك، تظل الكميات التى تحتاجها أوروبا، خاصة فى الشتاء، أكبر من قدرة تل أبيب على الإنتاج، لكن مع التوجه الأوروبى إلى تنويع مصادر الطاقة سيكون بإمكان إسرائيل أن تكون أحد موردى الغاز إلى أوروبا، مع عدة دول أخرى فى المنطقة، خلال الفترة المقبلة.