رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الغرب يخشى من رد بوتين على عقوباته

هل هناك قلق أمريكي من ردود فعل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على العقوبات الاقتصادية التي أنزلتها واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبي على بلاده، ومن أهمها إخراج البنوك الروسية الكبرى من نظام (سويفت) العالمي للتبادل المالي بين الدول، بالإضافة إلى الدعم المتزايد لأوكرانيا، بالسلاح والمالي، والتحركات الدلوماسية، لتأليب العالم على روسيا؟
من المؤشرات على عمق القلق الأمريكي، أن وزير الدفاع، لويد أوستن، أعلن الأسبوع الماضي، أنه سيلغي تجربة صاروخ نووي، كان مقرراً لها سابقاً من طراز (مينوتمان)، لتجنب تصعيد التحديات المباشرة لموسكو، أو إعطاء بوتين ذريعة للتهديد مرة أخرى بقوة الترسانة النووية لبلاده.. في واشنطن، كما تؤكد صحيفة نيويورك تايمز، بدأ كبار المسئولين في البيت الأبيض، الذين وضعوا استراتيجية العقوبات لمواجهة روسيا، يناقشون بهدوء مصدر قلق جديد: وهو أن سيل العقوبات الموجهة إلى موسكو ـ والتي أحدثت تأثيراً أكبر مما كانوا يتصورون ـ يحاصر الرئيس بوتين، وقد يدفعه إلى شن هجوم عنيف، وربما توسيع نطاق الصراع إلى ما وراء أوكرانيا.
في اجتماعات غرفة العمليات بواشنطن، قال مسئولو المخابرات الأمريكية للبيت الأبيض والكونجرس، إن بوتين قد يجنح إلى تصعيد هجومه، عندما يشعر بأنه محاصر.. لذلك، حددوا مجموعة من ردود الفعل المحتملة، بدءًا من القصف العشوائي للمدن الأوكرانية، لتعويض بطء قواته في بداية العمليات العسكرية، إلى الهجمات الإليكترونية الموجهة ضد النظام المالي الأمريكي، إلى المزيد من التهديدات النووية، وربما التحركات لنقل الحرب إلى ما وراء حدود أوكرانيا.. وتسارعت هذه المخاوف بعد أمر بوتين بوضع الأسلحة النووية الاستراتيجية للبلاد في حالة تأهب (قصوى) للرد على (عدائيات) الغرب.. ومع ذلك، في الأيام التي تلت بيان بوتين، يقول مسئولو الأمن القومي الأمريكي، إنهم لم يروا سوى القليل من الأدلة على الأرض، على أن القوات النووية الروسية قد انتقلت بالفعل إلى حالة مختلفة من الاستعداد.
(لم نستقبل هذا القرار باستخفاف، ولكن بدلاً من ذلك، حاولنا إثبات أننا قوة نووية مسئولة).. هكذا قال السكرتير الصحفي للبنتاجون، جون كيربي.. (ندرك في لحظة التوتر هذه، مدى أهمية أن تضع كل من الولايات المتحدة وروسيا في اعتبارهما خطر سوء التقدير، وأن تتخذا خطوات للحد من تلك المخاطر).. ومع ذلك، أثار رد فعل بوتين على الموجة الأولى من العقوبات مجموعة من المخاوف.. تتركز في سلسلة من الإعلانات الأخيرة: انسحاب شركات النفط، إكسون وشل، من تطوير حقول النفط الروسية، والتحركات ضد البنك المركزي الروسي التي أدت إلى انخفاض الروبل، وإعلان ألمانيا المفاجئ أنها ستتخلى عن حظرها على إرسال الأسلحة الفتاكة إلى القوات الأوكرانية وتزيد من إنفاقها العسكري.
لكن باستثناء إلغاء التجربة الصاروخية، لا يوجد دليل على أن الولايات المتحدة تدرس اتخاذ خطوات للحد من التوترات، لأن واشنطن لا ترى مصلحة في التراجع عن العقوبات، (بل على العكس تماماً).. لقد أعلن الرئيس، جو بايدن، عن عقوبات موسعة نهاية الأسبوع الماضي، تستهدف طبقة (الأوليجارشية) في روسيا.. وهم من رجال الأعمال الروس والمدافعين عنه بوتين، والمستفيدين من نظامه..

 وفي بيان، قال بايدن، إن العقوبات كان لها (تأثير عميق بالفعل).. وبعد ساعات قليلة من حديثه، أسقطت (ستاندرد آند بورز) التصنيف الائتماني لروسيا إلى CCC-، وأشار التقرير إلى أن جهود بوتين الرامية إلى حماية اقتصاده من العقوبات، قد فشلت إلى حد كبير، أو على الأقل في الوقت الحالي، إذ لا يوجد أي بوادر من الزعيم الروسي، باستثناء إعلان وقف إطلاق النار أو سحب قواته، وهي خطوات لم يُبدِ حتى الآن أي اهتمام باتخاذها.


الواقع يقول أن بوتين متمسك بأوكرانيا بشدة.. ومن غير المرجح أن يقبل أي نتيجة لا تحقق هدفه، المتمثل في تقريب أوكرانيا من الحظيرة الروسية، والنأي بها عن الانضمام إلى حلف الناتو، أو تكون واحدة من دول الاتحاد الأوروبي.. وحذر بعض المسئولين الأمريكيين، في اجتماعات مغلقة منذ تسارع الأزمة، من أن استراتيجية بوتين في الأسابيع المقبلة، قد تكون إعادة توجيه الصراع نحو واشنطن، على أمل صرف الانتباه عن هجمات القوات الروسية في أوكرانيا.

إذا أراد بوتين ضرب النظام المالي الأمريكي، كما ضرب بايدن النظام المالي الروسي، فليس أمامه سوى مسار واحد مهم: جيشه المدرب تدريباً جيداً من المتسللين، ومجموعة من مشغلي برامج (الفدية)، الذين تعهد بعضهم علناً بمساعدته في معركته.. ومع أن تاتيانا بولتون، مديرة السياسات للأمن السيبراني والتهديدات الناشئة في معهد R Street، أعربت عن ثقتها، في أن الصناعة المالية في الغرب مستعدة، لذلك، وضربت مثلاً بـ (جي بي مورجان) ـ وهو أكبر بنك أمريكي متعدد الجنسيات للخدمات المالية المصرفية في العالم ـ الذي ينفق على الأمن السيبراني (أكثر من العديد من الوكالات الحكومية).. إلا أنها كانت قلقة بشأن احتمال قيام بوتين بتفعيل (برامج ضارة موضوعة مسبقاً، في قطاع الطاقة، كوسيلة لاختراق الولايات المتحدة).
كما أثار أعضاء في الكونجرس مخاوفاً، من أن بوتين قد يطلق العنان لشبكة موسكو من المتسللين، الذين نفذوا (هجمات الفدية)، التي أغلقت المستشفيات ومصانع معالجة اللحوم وشبكة كولونيال بايبلاين، التي تحمل ما يقرب من نصف البنزين والديزل ووقود الطائرات على الساحل الشرقي.. لأن هؤلاء قادرون على حظر الوصول إلى شاشات أجهزة الحواسيب، وتغيير رمز PIN الخاص بالجهاز، مما يجعل المحتوى والوظائف غير قابلة للوصول إليها.. أو بقومون بتشفير سجل التشغيل الرئيسي، وهياكل نظام الملفات المهمة، وبالتالي تمنع المستخدم من الوصول إلى نظام التشغيل أساساً.. وأخيراً، تقوم بتشفير ملفات المستخدم المخزنة على القرص.. ولذا، قال النائب مايك جالاجر، وهو جمهوري من ولاية ويسكونسن، عضو لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، والذي كان رئيساً مشاركاً للجنة الفضاء الإليكتروني المؤثرة، (إذا تصاعد الوضع أكثر، أعتقد أننا سنرى هجمات إليكترونية روسية ضد بنيتنا التحتية الحيوية).. وهناك احتمال آخر، أن يهدد بوتين بالتقدم أكثر إلى مولدوفا أو جورجيا، اللتين، تشبهان أوكرانيا، فهما ليستا عضوين في حلف الناتو، وبالتالي فإنهما أراضٍ لن تجرؤ الولايات المتحدة وقوات الناتو على دخولها.
هناك مخاوف أكبر، تنطوي على تهديدات نووية محتملة.. إذ، ومع تسارع القتال في أوكرانيا، أقرت بيلاروسيا، الأسبوع الماضي، استفتاءً عدل دستورها، بحيث يسمح بنشر الأسلحة النووية، على أراضيها، مرة أخرى.. ويتوقع المسئولون الأمريكيون أن يطلب الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، من بوتين وضع أسلحة نووية تكتيكية في بلاده، ستكون أقرب إلى العواصم الأوروبية.. وقد أظهر بوتين، مرتين، أنه مستعد لتذكير العالم بقوة ترسانته.. ومن المرجح أن يزيد بوتين من تكثيف عملياته في أوكرانيا، الأمر شبه المؤكد، أن يؤدي إلى المزيد من الخسائر والدمار.. (لم تكن نزهة لبوتين في أوكرانيا، والآن ليس لديه خيار سوى مضاعفة جهوده لحسم الأمر فوق أراضيها)، قال بيث سانر، وهو مسئول كبير سابق في الاستخبارات الأمريكية.. (هذا ما يفعله بوتين.. لا يمكنه التراجع، أو أن يبدو ضعيفاً). حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.