رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

باحث فى الشأن الدولى: روسيا تعيد هندسة البيئة الأمنية لأوروبا

الباحث محمد حسن
الباحث محمد حسن

قال الباحث فى السياسات الدفاعية والشأن الدولى محمد حسن، إن بدء روسيا لغزو أوكرانيا على هذا النحو الذي رأيناه خلال أول 24 ساعة من بدء العمليات العسكرية يشير إلى أولى خطوات إعادة هندسة البيئة الأمنية لأوروبا من جناحها الشرقي بواسطة تأثير روسي يعتمد بالأساس على القوة الصلبة. 

وأضاف حسن فى تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن مرحلة إعادة هندسة البيئة الأمنية لأوروبا تتجاوز تحييد دور أوكرانيا كنقطة ارتكاز عسكرية وسياسية محتملة للغرب والناتو، وتنتقل إلى نقل المعركة أمام بلدان المواجهة، "دول البلطيق + بولندا + رومانيا"، وإبقاء مسارات ضاغطة على هذا البلدان، أو ما يمكن أن نسميه الجدار الشرقي لحلف الناتو. 

وتابع حسن "لهذا يمكن تفسير شيئين، الأول: المناورات الاستراتيجية التي نفذتها روسيا، بداية من يوم 19 فبراير الجاري حيث شاركت مختلف القطع العسكرية ذات الطابع الاستراتيجي، كالأسلحة النووية والصواريخ الفرط صوتية، وذلك للتأكيد على مبدأ "الردع الاستراتيجي" وهو مفهوم يعرفه الروس جيداً منذ الحرب الباردة، وظهور هذا المفهوم مرة أخري يعني أن خلفية المواجهة العسكرية هي بين روسيا والغرب في دائرة أوسع تشمل أوروبا، وليس محصوراً فقط بين روسيا وأوكرانيا.

وأشار حسن إلى أن الأمر الثاني هو كيفية بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، حيث بدأ الهجوم من خلال إطلاق موجة قصف صاروخي روسي "باليستي وجوال"، طال حسب آخر البيانات الصادرة، 83 هدفاً للبني التحتية العسكرية الأوكرانية، من مطارات ومخازن ذخيرة، ومحطات ردارات، ومراكز مراقبة واستطلاع، وتجمعات عسكرية، وحتي مقار الاستخبارات الأوكرانية، وكان ذلك في تمام الساعة الرابعة والنصف من فجر الخميس الماضى، بعدها انطلقت عدة غارات جوية، مع موجه ثانية صاروخية ضربت على الاقل 13 مدينة أوكرانية من شرق البلاد، لأقصي غربها في مدينة لفيف، وتدمير كامل لمطار "لوتس" قرب الحدود البولندية، واشتمل الهجوم على إسناد أدوار للسفن الحربية الروسية في البحر الاسود وبحر آزوف، والطيران المروحي الذي نفذ عملية انزال جوي في أوكرانيا للسيطرة على مطار انتينوف، في بلدة جوستومل.

وأوضح حسن أن تكتيكات عملية الهجوم الروسي تشير إلى أن بنك الأهداف غطي كامل الجغرافيا الأوكرانية ووصل إلى أبعد نقطة في الغرب، إلى مدينة لفيف، التي تحولت إلى ما يشبه إلى ملاذ آمن للبعثات الدبلوماسية الغربية خلال الأسابيع الماضية، مما يشير إلى وجود احتمالات عن وجود ضربة ثانية، ستهدف على الأقل على إسناد التوغلات البرية الروسية في الجبهة الشرقية التي تشهد قتالاً عنيفاً، وخاصة في محور خاركيف - سومي، حيث شوهد هناك عدة خسائر للوحدات المدرعة الروسية والمدفعية الصاروخية، فضلاً عن اسناد محور التوغل الجنوبي، والقادم من شبه جزيرة القرم باتجاه خيرسون ليتفرع إلى فرعين، شرقي يتجه إلى ماريوبول، وغربي إلى أوديسا، وكلاهما يهدفان لعزل أوكرانيا تماماً عن البحر الأسود الذي يعتبر منفذاً لأكثر من نصف صادراتها. 

وأضاف حسن أن بهذا الإغلاق ستتمكن روسيا من عزل أوكرانيا عن تلقي الدعم البحري، وتشير الضربات الصاروخية الروسية على المطارات الأوكرانية إلى وجود معضلة كبيرة للناتو والغرب في إيصال المساعدات العسكرية لأوكرانيا لتفعيل سيناريو حرب المدن، حيث ظهر من خلال تحليل نوعية الوارد من الأسلحة الغربية لأوكرانيا خلال الأسابيع الماضية اهتمام العواصم الغربية بتدعيم قدرة أوكرانيا على استخدام الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات والأفراد "جافلين"، والصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف.

وحول السيناريوهات المقبلة، قال حسن من المرجح أن يستمر حلف الناتو في تدعيم خطته الدفاعية لجداره الشرقي من خلال زيادة انتشاره العسكري في بلدان المواجهة، فضلا عن تفعيل مهمة قوة الرد التابعة له، وهي قوة مجهزة بشكل عالي واحترافي وتتألف من وحدات برية وبحرية وجوية ولديها 40 ألف جندي وستمكن قوة الرد هذه حلف الناتو من تعزيز استراتيجيته الدفاعية، ولكنها تبقي دون مستوي الردع الاستراتيجي أما الولايات المتحدة فحددت موقفها على لسان رئيسها الذي أقر بعدم ارسال بلاده لأي قوات إلى أوكرانيا لقتال روسيا، ولكنه أقر حزمة عقوبات طالت القدرات المالية لموسكو عبر استهداف كيانات وأفراد وبنوك لها أصول بقيمة ترليون دولار، فضلا عن تقييد وصولها للأسواق المالية وتعاملاتها بالين والدولار، ولم تطال العقوبات بشكل مباشر قطاع الطاقة نظراً لتدعياته الخطيرة على الجميع في ظل موجة تضخم تضرب اقتصاديات العالم، وزيادة كبيرة في السلع الغذائية هي الاكبر منذ 60 عاما، ولكن تبقي الاسئلة مفتوحة حول تبعات هذا الغزو على النظم الاقليمية في كل من الشرق الأوسط وجنوب الباسيفيك تحديدا، فكلاهما تشتبك الولايات المتحدة مع الحليفين الصين وروسيا.

واختتم حسن تصريحاته قائلا "نقطة اخيرة عن الهجوم الروسي انطلاقا من بيلاروس، يشير أيضا إلى تحولها إلى قاعدة متقدمة للعمليات، ومحور تحرك قصير باتجاه حصار محتمل لكييف".