رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسابات المخاطر وإدارة الأزمات فى قاموس الثقافة المصرية

المدقق فى السلوك البشرى التلقائى إبان الحوادث والأزمات، أو حتى الأفعال المخطط لها سلفًا فى الحوادث يكتشف أن القاسم المشترك فى معالجة هذه المشكلات هو الفوضى والزعم الشخصى، ولنأخذ مثالًا لكيفية تعامل العموم مع حالة حرق بسيط، ولو كانت من الدرجة الأولى بفعل ماء مغلى أو بخار، فتجد من يستخدم معجون الأسنان للضماد على الحرق، وهناك من يفضل زلال البيض النيئ، وآخر يقترح عجينة طرية من الماء والدقيق، وحتى الطحينة تم استدعاؤها للتداوى وعلاج الحروق. 

فى الحقيقة يبذل الأطباء فى المستشفيات جهودًا مضنية لإزالة هذه المعاجين وطبعًا يعانى المريض آلامًا تشبه تعذيب المعتقلات، ناهيكم عن التلوث المنتظر حتى بعد تنظيف وإزالة آثار الفوضى. 

القضية هنا ليست فى افتقاد الخبرة أو نقص المعرفة أو الجهل بأساليب المساعدة، لكن فى الثقة غير المبررة، التى لا تستند إلى دليل للخوض فى المساعدة. هذه الشجاعة الزائفة والمغامرة غير المحسوبة أهلكت كثيرًا من الضحايا، مثل مصاب فى حادث سيارة يعانى كسورًا بفقرات الرقبة، فيأتى أحدهم للمساعدة ونقله من كتفه فينال المسكين حكم الشنق بقطع النخاع المستطيل. 

فى دول العالم المتقدم يتعمد الخبراء إدراج هذه الخبرات ضمن مناهج التعليم بالمرحلة المبكرة، والتقدم بخبرات أعلى مع كل تقدم فى السنوات الدراسية، وهو ما يعرف بمنهج الإسعافات الأولية، الذى ينتهى فى المرحلة الثانوية بالبرامج الأكثر حنكة، مثل التدرب على الإنعاش القلبى الرئوى، وهو استعادة ضربات القلب بالتدليك اليدوى أو الصدمة الكهربائية لاستعادة نشاط القلب المتوقف عن النبض.

عودة إلى منهج إدارة الأزمات ومنهجية التعامل معه كنمط حماية للبشر، وهو منهج علمى؛ يهدف إلى تقليص الخسائر الممكنة، وقبول الخسائر التى لا يمكن تجنبها أو ما نعرفها نحن كمشاكل قدرية لا دخل للبشر فيها.

ولفهم منهج إدارة الأزمات تم تقسيم الإشكاليات المحتملة إلى نوعين من المشاكل، هما «الحادث» والآخر هو «الحدث»، وهنا يفهم الحادث على أنه ضرر متوقع الحدوث، وتوجد قواعد سابقة التجهيز للتعامل معه، مثل حادث تصادم سيارتين، فهو وفق التعريف أمر وارد الحدوث ونتحسب له، وهناك خطوات سابقة التحديد للتعامل مع الحادث، مثل المعاينة والتحقيق فى السبب والمتسبب وتقدر العقوبة أو التعويض، أما «الحدث» فهو وقوع ضرر لا يفترض حدوثه وغير مرحب بوقوعه، لكن لدى الأنظمة قواعد للتعامل مع الموقف لدى حدوثه، حتى بالرغم من ندرته، مثل استخدام طفل السلاح النارى الخاص بأبيه والتسبب فى قتل رفيقه. هنا يُنظر للأمر من زاوية الندرة، وهى أن يتصادف إتاحة سلاح الأب للطفل ولو للحظات، ومتابعة بقية السيناريو المترتب على هذا السهو أو الإهمال الذى لا يفترض أن يحدث، لكنه حدث، وعندئذ يتم استدعاء قواعد وقوانين المعالجة.

ما أهمية تقسيم الكوارث إلى حوادث وأحداث؟

يكمن الفرق فى بذل الجهود للتحسب للحوادث والتدرب على مجابهتها، مثل الحرائق وحوادث السيارات والغرق والشجار والعنف، وكلها أمور يصلح معها الاستعداد والتدريب، أما الأحداث فمن غير المجدى التدرب على مواجهتها لفرضية الندرة كما أسلفنا، فمثلًا لا يمكن التدرب على كيفية مواجهة تسونامى، أو التعامل مع انفجار مفاعل نووى.

فى السياق ذاته، ترتبط سياسة مجابهة الأزمات بمنهج الأمن والسلامة، والفرق كبير بين تعريف الأمن وتعريف السلامة، بالرغم من أن معظم المنشآت تدمج وحدتى الأمن والسلامة تحت إدارة واحدة. يمكن تعريف الأمن بأنه جملة التدابير التى تتخذ لحمايتك أنت وممتلكاتك وخصوصياتك من الغير، فالسياج الحديدى حول بيتك أو حول المصنع يهدف إلى حماية ما تملك من سطو الغير، وكلمة السر على حاسوبك هى أداة «أمن» لحماية أسرارك من الغير، والقفل على باب منزلك وأجهزة الإنذار، كلها أدوات أمن لحماية حقوقك وممتلكاتك من الغير، أما السلامة فهى جملة التدابير والإجراءات والأدوات التى تهدف أيضًا إلى حمايتك من نفسك تحت أى ظرف، مثل السهو أو النسيان أو عدم الفهم أو الخلل القدرى، مثل الانزلاق على أرضية مصنع لزجة، فيستوجب عليك ارتداء حذاء مانع التزلج، وكذلك ارتداء نظارة حماية العين أثناء التعامل مع رذاذ حديدى أو رمال أو ما يضر العين، وكذلك ارتداء خوذة الرأس لدى قيادة الدراجة النارية أو العمل فى بيئة يحتمل فيها سقوط أجسام من علٍ كما فى المخازن. إذن، كل ما يحمى الشخص من السهو أو الإهمال المحتمل هو من قبيل السلامة وليس الأمن.

ما هى المعضلة الأساسية فى حسابات المخاطر؟

تكمن الإجابة فى فهم نظرية الاحتمالات، وتحديدًا معنى «الاحتمالية» من ناحية ومعنى «الإمكانية» من ناحية أخرى، ولفهم النظرية دعنا نأخذ مثالًا للتعامل، سلك كهربى مكشوف ولا يتوافر اليقين ما إذا كان السلك مكهربًا من عدمه، وهنا نضع احتمالين، الأول يفترض سريان تيار كهربى؛ فنمنحه الرقم «١»، والآخر يفترض أنه بلا تيار؛ فنضع علامة صفرية «٠» تنفى مرور تيار به. إلى هنا لا يمكن التعامل مع السلك وإجراء أى من أعمال الصيانة؛ لأن هناك احتمالية ولو واحد فى المليون بوجود تيار، أما لو توافر اليقين بصفرية الاحتمال أى بداية السلك ونهايته بلا تواصل مع أسلاك أخرى، فهنا الاحتمال صفرى يسمح بلمس السلك بلا تردد. أما عن الإمكانية، فهى مؤشر يحدد مدى وقوع الاحتمالية بمعنى ندرتها أو شيوعها. عندما تتداخل حسابات الندرة مع الممكن تحدث المصائب.