رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المحكمة تدعو المشرع لتنظيم الإفتاء الدينى حفاظا على الثوابت

حكم نهائي من «الإدارية العليا» يحظر الطعن في ثوابت الدين إعلاميًا

محمد عبد الوهاب خفاجي
محمد عبد الوهاب خفاجي

انشغل الرأى العام ووسائل التواصل الاجتماعى والسوشيال ميديا بين الحين والآخر، بموضوعات تعد طعناً فى ثوابت الدين مما أثار حفيظة المسلمين وغيرهم، ما يمكن أن ينالهم ذات القدح في ثوابت دينهم، والطعن في ثوابت الدين أمر يحظره حكم قضائي نهائي من أعلى مستوى قضائي بالبلاد.

ويحظر الحكم “الإفتاء من الجهلاء أو المضللين أو غير المتخصصين أو دعاة الإرهاب، فالكل على أرضية واحدة في الطعن في ثوابت دين الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام”.

وبشهادة من جدول المحكمة الإدارية العليا بعدم الطعن على الحكم التاريخى الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بحظر الإفتاء من غير المتخصصين لمواجهة “دعاة الجهلاء أو المضللين أو غير المتخصصين أو الإرهاب”. ودعت والمحكمة المشرع لتنظيم الإفتاء الديني حفاظًا على الثوابت. وأصبح هذا الحكم نهائيا وباتا.

يأتي الحكم في وقت تواجه فيه مصر والمجتمعات العربية، ظاهرة خطيرة بانتشار المنابر الإعلامية من غير المتخصصين فى الدين والمواقع الدينية والدعاة غير المتخصصين والجهلاء واستخدامها لوضع مفاهيم متطرفة تخالف ثوابت الدين أو مقاصد الشرع الحنيف فتثير الفتنة فى المجتمعات، وأيضا عدم وجود تجريم عقابى على من يُسيئ استخدام المنابر الإعلامية فى الافتاء الدينى لتحقيق أهداف تخالف ثوابت الدين أو سياسية تخالف النظام العام أو حزبية تخالف تقاليد المجتمع وقيمه، ما تلقى بأثارها الخطيرة على الشباب، وفي توجيه الفكر الديني من الاستقامة والوسطية إلى التشدد والتطرف والفتنة ولإثارة البلبلة فى الوسط الدينى والمساس بعقائد البشر.

وقالت المحكمة برئاسة القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، إنه يتعين قصر الإفتاء على المؤسسات الدينية للدولة المؤهلة بحكم ولايتها وخبرتها وتخصصها، فلا يجوز الإفتاء بغير شروط , وشروط الإفتاء ليست بالأمر اليسير فى الفقه الإسلامى حتى يمارسه العوام، وإنما هو أمر بالغ الدقة والصعوبة يستفرغ فيه المجتهد وسعه لتحصيل حكم شرعى يقتدر به على استخراج الأحكام الشرعية من ماَخذها واستنباطها من أدلتها.

ولفتت إلى أنه على ذلك يجب أن يشترط فى المجتهد شروطاً للصحة أهمها: أنيكون عارفاً بكتاب الله ومعانى الاَيات والعلم بمفرادتها وفهم قواعد اللغة العربية، وكيفية دلالة الألفاظ وحكم خواص اللفظ من عموم وخصوص وحقيقة ومجاز وإطلاق ومعرفة أصول الفقه كالعام والخاص والمطلق والمقيد والنص والظاهر والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم والمحكم والمتشابه، وهي مسائل دقيقة للغاية تغم على عموم الناس من أدعياء الدين طالبى الشهرة ومثيري الفتنة وجامعى الأموال والدين منهم براء، وهي في الحق تستلزم التأهيل في علوم الدين.

 وناشدت المحكمة المشرع بضرورة تجريم الإفتاء سواء من الجهلاء أو المضللين أو دعاة الإرهاب من غير أهله المتخصصين بالمؤسسات الدينية التابعة للدولة  التى تخاطب كل مسلم فى العالم وليس مصر فحسب.

كما ناشدت المحكمة المشرع بصدد قانون ممارسة الخطابة بتجريم  استخدام المنابر ضد ثوابت الدين أو لتحقيق أهداف سياسية او حزبية أو للدعاية الانتخابية، وهو الأمر الذى خلا منه قرار رئيس الجمهورية المؤقت رقم 51 لسنة 2014 بشأن ممارسة الخطابة و الدروس الدينية في المساجد وما في حكمها؛ لأن استخدام الخطيب للمنبر في غير أهداف الخطابة والانحراف بها في أتون السياسة سعيا لتأييد طرف ضد آخر؛ يجعله قد خالف شروطها، والقاعدة الفقهية تقرر أن المسلمين عند شروطهم، خاصة في ظل الظروف العاتية  التى تواجه العالم لمحاربة الإرهاب ودعاة الفكر الشيطانى التكفيري، وتبذل فيه مصر وحدها بحكم ريادتها للعالم الإسلامى غاية جهدها لمواجهة هذا الإرهاب للحفاظ على كيان المجتمع واستقراره ورعاية المصالح العليا للامة  .

وأشارت إلى أن المشرع لم يضع تعريفًا للمجتهد الشرعي، كما أن هناك فراغًا تشريعيا – وليس شرعياً - بشأن إيجاد تنظيم تشريعى متكامل لعملية الإفتاء في المجتمع المصري، وهو ما يسبب مشكلات جمة، فمن يتصدى للفتوى من غير المتخصصين أو ممن ينقصهم اتقان التخصص فإنه ليس بأهل للفتوى ولا يجوز له ذلك، فعلماء الأمة قديماً وحديثاً تواترت أراؤهم على وجوب توافر مواصفات محددة فى المجتهد الذى يجوز له أن يفتى للناس فى أمور دينهم ودنياهم، ونهى غير المتخصصين الذين لا تتوافر فى شأنهم أهلية الاجتهاد أو ممن ينقصهم اتقان التخصص عن التجرؤ على الاجتهاد والإفتاء بدون علم، لما يترتب على ذلك من مأسى دينية ودنيوية أو الإساءة إلى الإسلام وتشويه صورة المسلمين بين مختلف الشعوب.

 

وذكرت المحكمة أنه تأسياً بمسلك كبار الفقهاء الأوائل الذين أسسوا مدارس فقهية لها مناهجها العلمية فكانوا يتحرجون من الفتوى على عكس الأمر الحاصل الاَن من تجرؤ غير المتخصصين على الإفتاء الذين يجب عليهم الابتعاد عن دائرة الاجتهاد، حتى لا يصعب الأمر على المتلقى فى اختيار من يتلقى منه الفتاوى.

وبينت أنه يجب أن يقتصر الإفتاء على العلماء الثقات الذين يجيدون الغوص في بحر الاجتهاد القادرين على استنباط الحكم الشرعى المؤسس على فقه سليم ، فحاجة المسلمين فى كل مكان إلى الإفتاء السليم الذى يربط بين العقيدة الصحيحة ومستجدات العصر فى ظل الثورة العلمية التكنولوجية وما أفرزته من قضايا مستجدة، خاصة إزاء تقدم العلوم وتنوع التخصصات، فإن المسألة التى تتعدد فيها وجهات النظر وتختلف فيها الرؤى تكون بحاجة إلى نظر جماعي، وأي الاجتهاد الجماعى لا الاجتهاد الفردي، تأسيسًا على أن المسألة الواحدة التى تنازعتها فتويان فإن الأمر يقتضى ترجيح واختيار الفتوى الأصوب والأرجح، فالمسائل الخلافية التى تتعدد فيها اَراء العلماء لا يجوز أن ينفرد بالإفتاء فيها فقيه واحد , فيكون الاجتهاد الجماعى هو السبيل الوحيد للإفتاء فيها للعامة لترجيح واختيار الفتوى الأصوب والأرجح , فليس كل ما يعلم بين العلماء المتخصصين يقال للعامة وإلا أحدثوا فتنة وأثاروا بلبلة وعدم استقرار فى المجتمع الدينى.

واختتمت المحكمة أنه  نتيجة لإقدام غير المتخصصين من أهل العلم والفتيا على إصدار الفتاوى غير المسندة التى يبثونها عبر منابر العالم الإعلامى والافتراضي في وسائل التواصل الاجتماعي كافة وقنواتهم الخاصة أو عبر بعض المساجد والزوايا، ترتب أثاراً خطيرة سيئة على الأجيال الحالية واللاحقة لما تتضمنه من الإخبار عن حكم الله فى مسألة ما  فيحرفون مقاصد الإسلام السمحاء، ولا ترقى إلى مستوى الاجتهاد، وتوصم بالدعوة بالضلال والظلام مما يصيب المجتمع من خلل وتفكك واضطراب وفوضى لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى، ووقى الله البلاد من أخطار شرور فتاوى دعاة التشدد والتطرف واستغلال الدين سعياً للسلطة  أو جلباً للمال مما يستلزم استنهاض الهمم.