رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى محبة ساكنى الأوليمب الذين شرفوا معرض الكتاب «4-4»

 

سافرت إلى اليونان محملة بشحنة نفسية وتوق معرفى لتتبع خطى الفلاسفة والمفكرين اليونانيين، بشغف لتلمس روح الميثولوجيا الإغريقية.. وكم كانت المفاجأة التى ردتنى لواقع صلب، قاس، عندما شرعت فى زيارة الآثار اليونانية.. بدأت بمعبد زيوس الأوليمبى. قريبًا من وسط أثينا، وقف الأتوبيس السياحى قريبًا من بوابة الحديقة الكبيرة التى تحيط بالمعبد، محازيًا لسور حجرى لا يختلف كثيرًا عن سور قصر محمد على بالمنيل، الذى أمارس رياضة المشى بجواره.. أخذت المرشدة السياحية تشرح لنا فى طريقنا وسط الخضرة الزاهية عن أسطورة زيوس، وكنت أمد بصرى كى أرى معالم المعبد.. فلم أشاهد سوى أطلال مجموعة أعمدة لا يزيد عددها على اثنى عشر عمودًا تقف دون حوائط تربطها، أين الرسوم؟ أين تمثال زيوس «إحدى عجائب الدنيا السبع» فى العالم القديم؟ 

من المعبد الزيوسى صعدنا إلى هضبة الأكروبوليس، مشينا فى أزقة ضيقة وصعدنا سلالم حجرية، كى نشاهد ما تبقى من الأكروبوليس، فى هذه اللحظة أدركت أن ما يتم التسويق له هو صورة خيالية، بقايا من الكتابات القديمة عن سحر هذا العالم.. كل المواقع الأثرية فى اليونان هى أطلال، شواهد على ما كان، مجرد أطلال.. بقايا أعمدة، حوائط متهدمة، كلها بقايا.. أطلال.. لا توازى أصغر منطقة حفريات أو آثار فى مصر، تذكرت معابدنا العظيمة: الكرنك، الأقصر.. مقابرنا الأسطورية.. وادى الملوك، البر الغربى.. شعرت بأننا مقصرون فى حق أنفسنا وفى حق بلدنا، فى الدعاية واستثمار ما لدينا، ما وهبه لنا التاريخ من آثار وما وهبته لنا الجغرافيا من عوامل للمحافظة عليها. 

كتمت خيبتى وأخذت استراحة كبيرة فى ميدان سنتغما، وهذه الساحة لها تاريخ طويل. حيث كانت مركزًا لكل الأحداث المهمة التى شهدتها اليونان طوال القرن الماضى، النضال ضد الاحتلال النازى، الكفاح ضد الملكية، على مقربة منه أطعمت الحمام الذى ينتشر بشكل ملحوظ فى كل ساحات أثينا، أمام البرلمان والمتحف الوطنى، وجامعة أثينا. 

تقع السفارة المصرية على بُعد خطوات من الميدان الرئيسى، والنصب التذكارى للجندى المجهول، وقد حرصنا على التقاط الصور أمامها، مجرد وجودنا أمام سفارتنا فى عاصمة أجنبية يمنح إحساسًا بالأمان والاطمئنان، هذا العلم الذى يرفرف فى الهواء، تبث رفرفته سكينة وحنينًا فى الروح. 

لم يعوض خيبة توقعاتى فى سحر الآثار اليونانية سوى رحلة بحرية قمنا بها فى اليوم التالى، زرنا خلالها ثلاث جزر يونانية، هيدرا، بوروس، وإيجينا POROS ،HYDRA ،AEGINA عبر جزر خليج سارونيك، وصلنا باكرًا لمرفأ بيرايوس، حيث عشرات السفن المحلية، ومجموعات كبيرة من الناس من جنسيات مختلفة، استمتعنا بالشمس وزرقة البحر، وخلال ساعتين، ظهرت لنا جزيرة هيدرا بمنازلها الملونة، الغالب عليها اللون الأبيض فى تدريجات لونية من الأزرق والبرتقالى، دخلنا أحد الموانئ، الجزيرة خالية من السيارات، ووسيلة التنقل الوحيدة هى الحمير والأحصنة، وفى مواجهة الميناء تنتشر المحلات، التى تبيع شتى الصناعات المحلية، أبرزها الملابس والحلى. أقمنا ساعة فى هيدرا، وبعدها عدنا للسفينة فى طريقنا لبوروس التى لا تختلف كثيرًا عن هيدرا فى شوارعها الضيقة وطابعها الرومانسى والموسيقى اليونانية المتصاعدة من المقاهى والمطاعم، وجهتنا الأخيرة كانت جزيرة: إيجينا مسقط رأس آخيل، أحد أبطال الأساطير اليونانية.. أقمنا فى إيجينا نحو ساعتين. وشربت الشاى الأخضر فى مقهى أخبرنا صاحبه عندما علقت على وجود صورة الروائى اليونانى كزانزاكس، بأنه زار الجزيرة وجلس لديه لاحتساء الشاى، ومن أمام المرفأ اشتريت أكياسًا من الفستق، والفواكه المجففة. 

عدنا للسفينة للرجوع لأثينا، وتناولنا الغداء، الذى تكوَّن من مكرونة بالصلصة الحمراء ودجاج رستو وسلطة يونانية، وكيك، وبعد الغداء تجمعنا حول فرقة موسيقية، وكانت المفاجأة تقديم أغنية حسين الجسمى: بشرة خير، وعلى أنغام الموسيقى غنى كل الحاضرين من كل الشعوب: للصعيدى والبورسعيدى، و.. ورقصنا طوال ما يزيد على نصف الساعة، حيث تكررت الأغنية أكثر من مرة بناء على طلب المستمعين. 

التقطنا صورًا كثيرة، لكننا لم ننشرها على موقع الشركة المنظمة للرحلة، رغم الإعلان بأن أكثر صور تجمع عددًا من اللايكات سوف يفوز صاحبها بتذكرتين للرحلة المقبلة. فقد كنا سنغادر اليونان بعد يومين، كما أننا لم نكن نعرف أنه بعد عام سيجتاح العالم وباء كورونا وتكف الحياة عن الدوران والتنقل والسياحة والسفر.