رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العودة إلى مصر

نجح معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام، وحسب الإحصاءات الرسمية زاره مليونا شخص، وشهد حضورًا عربيًا كثيفًا، أقيم هذا العام تحت شعار «هوية مصر.. الثقافة وسؤال المستقبل»، هذا النجاح عكس الحيوية التى تشهدها مصر حاليًا، وحاجة الناس إلى المعرفة، فى لحظة مرتبكة من تاريخ البشرية، ومن الأخبار المبهجة هذا العام وصول سلسلة «هوية مصر» التى تصدر عن هيئة قصور الثقافة إلى أربعين كتابًا، وهى السلسلة التى بدأت منذ ثلاث سنوات، ونجح الشاعر جرجس شكرى، أمين عام النشر بالهيئة، فى توفير مكتبة متكاملة بسعر زهيد، تضم أهم ما كتب عن مصر المعنى والمكانة، هذه السلسلة كانت من الأكثر مبيعًا هذا العام، وكتب شكرى على صفحته على الفيسبوك أنه تم بيع ٥٤ ألف نسخة معظمها من الكتب التى يحتاجها القارئ المشغول بتاريخ ومستقبل بلده، هذا الإقبال يدعو للتفاؤل، أولًا لأن معظم الجمهور كان من الشباب الذى يبحث عن إجابات عن الهوية، ثانيًا الرد على المتحذلقين الذين يتهمون الناس بعدم الوعى والانفصال عن الجذور، أتابع ما يصدر عن هذه السلسلة منذ بدايتها وأكتب عنها، لأن الاختيارات عظيمة، وبعضها لم يقع بين يدى من قبل، واستغرب كثيرون مطالبتى بأن تكون قراءة هذه الكتب شرطًا للترقى فى الوظائف المهمة داخل الدولة المصرية، لأنها أهم من برامج التوك شو التى تبعد الناس عن جوهر مصر الحقيقية، بدأت السلسلة بكتاب فجر الضمير لعالم المصريات جبمس هنرى بريستد والذى يعتبر أحد أهم ما كتب عن «المصرى» وكراماته، وتوالت الكتب العظيمة مثل «فى أصول المسألة المصرية» لصبحى وحيدة، و«تكوين مصر» لمحمد شفيق غربال، و«دراسات فى الحضارة» للويس عوض، و«الثورة العرابية» لصلاح عيسى، وكتب عبدالرحمن الرافعى عن تاريخ الحركة الوطنية فى مصر، ناهيك عن الترجمات العظيمة التى تناول فيها المستشرقون وعلماء المصريات تاريخنا القديم، وصولًا الى آخر قطفة فى المعرض، والتى كان من أبرزها كتاب الدكتور أحمد قدرى «تاريخ المؤسسة العسكرية المصرية فى عصر الإمبراطورية»، وكتاب نعمات أحمد فؤاد «شخصية مصر»، و«مصر ورسالتها» للدكتور حسين مؤنس، و«فنون الأدب الشعبى» لأحمد رشدى صالح، و«مجتمعنا» للدكتور عبدالحميد يونس، كل كتاب يحتاج وقفة، تشعر وأنت تتجول بين هذه الكتب أنك أمام حالة صوفية، كتب تجعلك فخورًا بمصريتك، فخورًا بأنك من سلالة بنائين عظام، خاضوا معارك كبيرة للحفاظ على هذا البلد وعلى تنوعه وعلى أحلامه، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية ذهب زعماء مصر إلى الإنجليز يسألون عن وضعهم، ويحكى توفيق الحكيم «فسألهم الإنجليز عما يقصدون، فقالوا: زوال الاحتلال البريطانى، فسألهم الإنجليز وماذا بعد الاحتلال هل تعودون إلى الدولة العثمانية المنهزمة؟ فقال الزعماء: بل نعود إلى مصر، فدهش الإنجليز وسألوا: ما هى مصر؟ فإننا لا نعرف شيئًا اسمه القطر المصرى وكما هو موجود فى الخرائط الرسمية يتبع سياسيًا الدولة العثمانية وحضاريًا العربية، حسب الدين واللغة، أما مصر فأين هى؟ وما هى مقوماتها؟ وما هى شخصيتها؟، منذ ذلك التاريخ ومفكرو مصر ومبدعوها تفرغوا للإجابة على المستعمر القديم، بالحفر داخل وجدان الجماعة، تغير شكل الاستعمار لا شك، ولكنه موجود، ويستهدف الشخصية المصرية بوسائل مبتكرة، ولكن التاريخ علمنا أننا نقف على أرض صلبة، وكما كتب جمال حمدان عن مصر «أنها فلتة جغرافية لا تتكرر فى أى ركن من أركان العالم، وفى كلمة واحدة شخصية مصر هى التفرد، وثمة حقيقة مؤكدة أن شعب مصر شعب خاص وقد جعلهم تاريخهم وجغرافيتهم يختلفون عن سكان أى أمة من الأمم»، بالطبع نجح جرجس شكرى فى تقديم وجبة دسمة عبرت عن تاريخ عظيم للثقافة المصرية، وذكرتنا بمفكرين وأدباء وباحثين بذلوا أعمارهم دفاعًا عن مصر، ضد الهجمات المتتالية التى تستهدف شخصيتها حتى الآن، وإلى جوار ذلك أصدر هذا العام أيضًا رباعية الإسكندرية لداريل، وأطل على الأدب اليونانى القديم وأصدر معظم ما ترجم عنه، ناهيك عن إعادة طبع عدد كبير من كتب التراث العربى النادرة، وكانت المفاجأة الأهم صدور موسوعة د. سعاد ماهر محمد «مساجد مصر وأولياؤها الصالحون» فى خمسة مجلدات.