رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرقة «الورشة» وجماليات المسرح الشعبى

فرقة «الورشة
فرقة «الورشة

«فرقة الورشة» واحدة من أهم الفرق المسرحية المستقلة فى مصر، التى أسهمت- بشكل واضح- فى تطور حركة المسرح الحر على مدار أكثر من خمسة وعشرين عامًا.

بدأت الفرقة نشاطها عام ١٩٨٧ على يد المخرج حسن الجريتلى، الذى يعمل فى المجال المسرحى منذ السبعينيات من القرن الماضى، فقد حصل على ليسانس المسرح من جامعة بريستول، ثم على دبلوم الدراسات العليا فى السينما من برنامج خاص بجامعة السوربون، وظل مديرًا فنيًا لمسرح الأرض والهواء، وهو جزء من المركز القومى للدراما لتطوير التجريب فى المسرح الإقليمى البديل فى فرنسا فى الفترة بين عامى ١٩٧٥ و١٩٨٢.

بعد عودته إلى القاهرة عام ١٩٨٢ وتعيينه مخرجًا بمسرح الطليعة فى العام التالى قوبلت أعماله المسرحية التى كان يعدها إما بالرفض وإما بالتربص غير المعلن، مما حدا به إلى الاتجاه إلى المجال السينمائى، وفى هذه الأثناء قابل مجموعة من الفنانين ممن يتشوقون إلى إيجاد مسرح بديل يحقق حساسيتهم الاجتماعية والجمالية، ويخرج من دائرة رقابة المؤسسة الثقافية، فكونوا «فرقة الورشة» عام ١٩٨٧، التى قدمت فى سبتمبر من نفس العام عرضين ارتكزت فيهما على نصوص عالمية هى «يموت المعلم» لبيتر هاندكه، و«نوبة صحيان» لداريو فو وفرانكاما، وقد أعيد هذا العرض فى أوائل ١٩٨٨، ثم قدم فى مهرجان القاهرة التجريبى الأول فى سبتمبر من نفس العام، وهو عبارة عن مونودراما قامت بتجسيدها الفنانة عبلة كامل.

وقد أجادت منحة البطراوى فى إعداد وترجمة النص نظرًا لصعوبته، حيث تتضافر فى مادته الأصلية جذور الأداء الشعبى مع الفكرة الاجتماعية للمسرح.

وهذه الفكرة تعتمد على توليد الطاقة الدرامية من خلال لغة مقتضبة كانت إحدى السمات الأساسية للمرحلة الأولى للورشة التى قدم فيها، أيضًا، بعض مسرحيات «هارولد بنتر» باللغة العامية المصرية بما فيها من مشاعر متلاطمة الأمواج، وفضاءات رحبة للتعبير الشعبى، وبما تخفيه الشخصيات وراء أقنعة التعامل الاجتماعى اليومى، ولعل عرض «المستعمرة التأديبية» كان خير مثال على ذلك، فقد جاء بمثابة أمثولة غنية وأليمة فى علاقتها بواقعنا، حيث تفضل المؤسسات أن يقتلها الجمود على أن تعيش مغامرة النمو والتطور.

وجاء عرض «غزير الليل» ١٩٩٣ بعد تدريب طويل على الحكى بمنظوراته المتعددة وعلاقته البديلة بالجمهور، من خلال الكشف عن مواطن الالتقاء فى المادة الشعبية بأصواتها وإيقاعاتها المختلفة، وفى الحرية المتمثلة فى المنطلقات المتعددة للخيال، ما أنتج تكوين سياق مسرحى يحتضن إيقاع المشاعر، وإلى مراجعة العلاقة المكانية بين العرض والجمهور.

وقد اعتمد الجريتلى فى عرض «غزير الليل» على إعادة إنتاج العلاقات الإنسانية داخل الحكاية الشعبية الشهيرة «حسن ونعيمة»، وهى قصة الفتى المغنى حسن، ونعيمة التى تعشقه وتهرب معه، فيقتله أهلها انتقامًا منه، وقد لعب «الجريتلى» على توظيف هوامش الحكاية وإدخالها فى متن العرض، مع استخدام نص مسرحى موازٍ يستفيد من الأغانى الأصلية الموجودة فى الحكاية المتوارثة، وتتحول الحكاية الأصلية إلى منطقة تصويرية لصنع مشاهد تتسم بجرأة طرح عورات الواقع بعيدًا عن المحسنات الشكلية التى تتسم بها لغة «الفلكلور»، وقد اعتمد الجريتلى فى عرضه على استخدام شخصية «الحكواتى» الذى يمثل جزءًا من سياق العرض، وقد قام بهذا الدور الفنان سيد رجب، واستمرت إلى جانب ذلك «ليالى الورشة» التى بدأت بالحواديت فقدمت فى القاهرة والإسكندرية والمنيا وقرى البياضة وشرموخ وبورسعيد وبيروت وعمان وباريس وروتردام ولندن وواشنطن، وأصبحت تشمل الخيال والأراجوز والأغانى والتحطيب والآلات الشعبية، وهى الفنون التى يتدرب عليها الممثلون تحت إشراف الفنانين الشعبيين.

وفى هذا الإطار أنتجت الفرقة فيلمًا تسجيليًا تحت عنوان «مولد السيدة عيشة» بالتعاون مع أهالى حى السيدة عائشة الذين ينظمون «زفة» تختلف فى طابعها الكرنفالى عن أغلب المواكب التى تصاحب الموالد الأخرى.

كما اهتمت الفرقة بجمع مادة «السيرة الهلالية» من الشعراء الذين يحملون تراثها الشفاهى، والتدريب على أدائها حكيًا وغناء، وتقديمها من خلال «ليالٍ مسرحية مستقلة»، وقد تجسدت تلك التجربة فى عدة عروض، منها عرض «غزل الأعمار» الذى قدم لأول مرة عام ١٩٨٨، والذى مثّل مصر فى أكثر من مهرجان مسرحى عربى. 

ونرى فى هذا العرض أن الراوى لم يعد هو البطل المحورى للعرض، كما فى النص الأصلى، حيث يتولد من خلال الفعل الحدثى للحكاية، فالمنشد له الدور الرئيسى الذى يحرك الأحداث والشخصيات التى تخرج بتلقائية.

وبالإضافة إلى تلك العروض فقد قامت الفرقة بتأسيس «مركز الورشة» لتدريب الممثلين على الفنون الشعبية، وعلى المهارات والتقنيات المسرحية الجديدة، وكذلك إقامة عدة مشروعات بالتعاون مع بعض الفنانين الشعبيين، كان أولها «مركز التحطيب وفنون العصا» فى ملوى، كما أسست الفرقة بالتعاون مع جمعية «الجيزويت» و«الفرير» فى المنيا مركزًا مسرحيًا للأطفال قائمًا على الارتجال المسرحى وخيال الظل والرسوم المتحركة، بالإضافة إلى إقامة عدة مراكز للتدريب على الغناء بالتعاون مع «كورال جمعية الصعيد».

وحاولت الفرقة، أيضًا، تطوير طرق التعامل مع التراث اليومى للحياة من خلال جمع ما يتعلق بروح الحياة اليومية، كالكتابات الموجودة على الحوائط والسيارات والذكريات والأحلام والنكات وأغانى الميكروباص والأفراح والأتراح والأسواق والموالد، وقد تم تقديم هذه المادة فى عدة عروض حملت اسم «اللى يعيش»، فى محاولة من أعضاء الفرقة للبحث عن سياق مسرحى يأخذ أشكالًا تبتعد عن استنساخ الواقع، وفى هذا الإطار بدأت الفرقة مرحلة جديدة تهتم بعملية التمثيل باعتبارها وسيلة يتم من خلالها استحضار شخصيات تنبض بالحياة، سواء كانت حقيقية أو متخيلة، من خلال توسيع مساحة الحكى التى جاءت كبديل موضوعى مضاد لميراث التمثيل الخطابى والتجارى.