رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وتظل القاهرة.. حليفًا استراتيجيًا لواشنطن

أثارت التحولات الأخيرة في السياسة الأمريكية تجاه مصر، خاصة بعد موافقة الكونجرس على صفقة السلاح الأخيرة للجيش المصري، بقيمة مليارين ونصف المليار دولار، العديد من تساؤلات الناس، حول ماهية هذه العلاقة، التي اتخذت مسارًا متذبذبًا، منذ قدوم جو بايدن إلى سدة الحكم في البيت الأبيض الأمريكي، وحتى قبل مجيئه.. تلك العلاقة التي اتسمت بالتهديد والوعيد، ثم انقلبت نحو الشكر والعرفان، خاصة بعد أزمة إسرائيل في غزة، ثم اتجهت نحو احتجاز 130 مليون دولار من المعونة الأمريكية السنوية لمصر، ثم الحوار الاستراتيجي المصري ـ الأمريكي في واشنطن، وانحياز بايدن لصفقة الأسلحة من بلاده لصالح مصر.. لكن، وقبل البدء، لابد من التفريق بين العلاقات الاستراتيجية التي تحكم الجيش المصري والبنتاجون الأمريكي، وبين توجهات الساسة الأمريكان، التي تتحكم في قراراتهم وانحيازاتهم مجريات كثيرة، وتخضع لمواءمات عديدة.
هذه التساؤلات تجيب عنها صحيفة «فورن بوليسي» الأمريكية بالقول، نقلاً عن الرئيس الأمريكي، في كلمة له أمام الكونجرس، «نتعهد بالعمل مع حلفائنا، بمن فيهم أصدقاؤنا وحلفائنا في العالم الإسلامي، للقضاء على هذا العدو الحقير من كوكبنا.. التطرف وإرهاب المتأسلمين».. وتعترف الصحيفة بأن (أحد أفضل الشركاء في الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة ضد التطرف الإسلامي، ويمثل أيضاً واحداً من أقدم وأعمق التحالفات الأمريكية في العالم العربي.. وهي مصر).. فمن مزاياها الجغرافية في موقعها الطويل، وإطلالتها على بحرين مهمين، أن أصبحت هي الزعيم الإقليمي في المنطقة برمتها، إلى جانب قدرتها على حماية باب المندب من غائلة الإرهاب وتعطل التجارة العالمية في قناة السويس، وصعوبة تحريك القطع العسكرية عبر هذا المنفذ، وصولاً إلى بحر العرب، إلى جانب سيطرة مصر على شرق البحر المتوسط، وفرض الهدوء بين ربوعه، خاصة بعد اكتشاف الغاز تحت مياهه، والصراع الإقليمي بين بعض الدول المطلة على شواطئه.
وهنا.. يمكننا التحدث عن خمسة أسباب تدعو الخلايا الإرهابية المتأسلمة، في كل مكان، إلى الخوف من تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة ومصر.
■ فالولايات المتحدة ومصر تتمتعان بالتعاون العسكري فيما بينهما، على مدى عقود من الزمن.. فعلى مدى ثلاثين عاماً، ساهمت الولايات المتحدة في تدريب وتجهيز جيش مصر الكبير والحديث والقوي، والذي يساهم الآن، وبقوة، في حماية الأمن المصري وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.. وفي الوقت نفسه، تساعد مصر واشنطن على تسهيل حركة المعدات العسكرية الأمريكية عبر المنطقة، من خلال المرور التفضيلي في قناة السويس والمرور فوق أجوائها.
■ لقد أثبتت مصر قدرتها على الصمود في وجه الاضطرابات، مع اقتصاد ينتعش ولديه آفاق أقوى على المدى الطويل، بعد سنوات من عدم الاستقرار السياسي والمصاعب الاقتصادية.. تعيد مصر بناء نفسها لتحفيز النمو الاقتصادي، وتحفيز الابتكار التكنولوجي وجذب الاستثمارات الدولية.. وقد أثمرت بالفعل سلسلة من الإصلاحات بعيدة المدى، قامت بها الدولة، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.. ويمكن رؤية دليل ذلك في وكالات التصنيف العالمية، التي رفعت التصنيف الائتماني السيادي لمصر.. وهنا، يمكن للتقدم الاقتصادي المصري أن يساعد الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها الاستراتيجية الإقليمية، إذ أن الاستقرار الاقتصادي يحقق القوة، التي هي المطلب الأساسي، عند البحث عن شركاء في المنطقة، وحلفاء يقدرون على حماية المصالح المشتركة.
■ وتتبادل الولايات المتحدة ومصر المخاوف بشأن صعود إيران ودعمها للإرهاب، من خلال وكلاء أجانب، فضلًا عن التأثير الإقليمي للدول المختلة، مثل ليبيا وسوريا واليمن والعراق.. كما أن مصر جارة ثابتة لإسرائيل، حيث تبقى واحدة بين أول دولتين عربيتين فقط، لديها الشجاعة للاستثمار في علاقة سلمية مع الحليف الأكثر أهمية لأمريكا في المنطقة.. واليوم، أصبحت العلاقات المصرية الإسرائيلية أقوى من أي وقت مضى.. ويمكن لمصر أن تكون دائمًا، وسيطًا نشطًا في مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، كما حدث في التأثير القوي لمصر، بإيقاف حرب الأيام الأحد عشر، بين غزة وتل أبيب.
■ إن الموقع الجغرافي الفريد لمصر، يجعلها حجر الزاوية لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.. ويمكن لمصر، باعتبارها موطنًا لأكبر عدد من السكان في العالم العربي، أن تساعد في بناء الدعم العام بين السكان المعتدلين الآخرين في الشرق الأوسط.. وهي تدعو إلى التسامح الديني وإصلاح التعليم وتمكين المرأة، وهي مجالات مهمة تقود فيها بالفعل العالم العربي بالقدوة، وسائل الإعلام المصرية المنتجة للأفلام والبرامج الترفيهية والبرامج الحوارية، التي هي الأكثر مشاهدة في جميع أنحاء العالم العربي.
■ كل ما على البلدين القيام به، هو الاستفادة من علاقاتهما القائمة.. وهناك بالفعل مستوى عميق من التعاون، بين الدبلوماسيين والدوائر العسكرية والعاملين في مجال الاستخبارات في كلا البلدين.. وهذا يفتح الباب أمام تعزيز المشاركات السياسية والدبلوماسية مع الإدارة الأمريكية.. وفي منطقة تحتاج فيها الولايات المتحدة إلى حلفاء راغبين ومعتدلين لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، لا تزال مصر شريكها الراسخ في المنطقة حيويًا في مواجهة التحديات الأمنية الحالية.
إن مصر تقدم أكثر بكثير مما يمكن أن تشمله هذه القائمة، إذ يمكننا الحديث عن أكثر من خمسين سببًا، لتعزيز الروابط التاريخية بين الولايات المتحدة ومصر.. لكن يبقى السؤال: هل سيكون من السهل والسلس دائمًا على مصر والولايات المتحدة العمل معاً؟. الإجابة بالطبع لا.. ستكون هناك حتمًا نكسات، وينبغي أن نتوقع ذلك، بالنسبة لأي دولة في هذا النوع من التحول الذي تشهده مصر.. ولكن ما يبقى واضحًا، هو التقدم اللافت الذي أحرزته مصر بالفعل، وإمكانية تعزيز الاستقرار والأمن والازدهار في المنطقة والعالم، إذا انتهزت مصر وأمريكا هذه الفرصة، متغلبين معًا على محاولات الوقيعة، التي يقوم بها أصحاب الهوى، من جماعات الضغط في أمريكا، والمنحازون- بثمن مدفوع- لما يروجه أهل الشر عن مصر، بين بعض أعضاء الكونجرس وعدد من وسائل الإعلام، في واشنطن.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.