رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القيمة المفقودة - الالتزام

يُعتبر الالتزام من القيم الهامَّة والضَّروريَة للنَجاح على كافَّة المستويات، لكن ليس بغائب عنَّا افتقاد مُجتمعنا اليوم لتلك القيمة. لكن أرجو من خلال تشديدنا هنا أن نراها مرَّة أخرى تعمُّ مُجتمعنا بكل مؤسَساته وأفراده، من الكبير إلى الصَّغير، فننجح ونتقدَّم. 
1. الالتزام ومعناه: يوجد داخل  كلٍّ منَّا صراع بين الخير والشرِّ، بين القيم والمبادىء والنَّزوات والشَّهوات. لذلك، فالالتزام معناه حسم الصِّراع لصالح الخير والقيم والمبادئ. إنه عكس الفوضى والتسيُّب  والإهمال، والأنا  وكل ما يعوق ويعطِّل نجاحنا وتقدّمنا. 
2. الالتزام إحتياج: شبَّه أحدهم الالتزام بالحِزام، من دونه تسقط كثير من الأمور. لذلك، نحن نحتاجه وبشدَّة في كلِّ مجالات حياتنا، في الكلمة والعهد والوعد والميعاد، في علاقتنا مع الله، والنَّاس والعمل والوطن. في القديم لم يكن النَّاس يوقِّعون عقودًا ورقِيَّة، بل كانت الكلمة عقدًا مُلزِمًا. والعبارة الشَّهيرة في بلادنا تقول (الرَّاجل يتمسك من لسانه). وهذا عين ما نحتاجه اليوم في كلّ علاقاتنا. 
3. الالتزام ودوافعه: الالتزام الحقيقي ليس ما ينبع من الخوف، أو الرَغبة  في جذب الأنظار وكسب المديح، بل من تقديرنا واحترامنا لله، ولأنفسنا، ولغيرنا، وللمسؤوليَّة المُكلَّفون بها. ومن إدراكنا أنَّنا وكلاء الله على ما بين أيدينا. كما ينبع الالتزام من إدراك الهدف والرسالة في الحياة. هناك قاعدة تقول "كلَّما كان الهدف واضحًا زاد الالتزام، وكلَّما كان الهدف عظيمًا هانت التَّضحيات، والعكس بالعكس أيضًا".
4. الالتزام ودلالاته: الالتزام علامة تقدير للمسؤوليَّة، ونُضج للشخصيَّة. ماذا لو أنَّ طالبًا لم يذهب للامتحان في موعده، أو فلاحًا لم يُلقِ البذار في موعدها، أو موظَّف لم يذهب لعمله بانتظام! في ذلك كلِّه عدم أمانة تجاه النَّفس والعمل والوكالة المؤتمن عليها من قِبل الله. وهي جريمة في حقِّ المُعتمدين على ذلك الوكيل في قضاء حوائجهم. والارتباط وثيق بين الالتزام بالمسؤوليَّة والنَّجاح أو الفشل: 
مسؤوليَّة + التزام = تقدُّم + نموّ + نجاح.
مسؤوليَّة - التزام=  فشل + توقُّف + كوارث.
فكيف ستكون الكارثة النَّاتجة عن عدم التزام شاب بما يخرج من فمه تجاه جارته، أو ما ينشره على وسائل التَّواصل ممَّا يسىء لعقائد غيره؟ وكيف ستكون لو أنَّ طبيبًا أو ممرِّضًا غير مكترث في غرفة العمليَّات، أو بعدها؟ أو مهندس غير مهتمّ بشروط البناء؟ أو محامٍ لم يذهب في موعد مرافعته في قضيَّة موكِّله؟ أو تاجر أو مستورِد أغذية، أو قطع غيار غير ملتزم؟ فعلاً إنَّ غياب الالتزام = كوارث ومصائب. والالتزام علامة رقيّ وتحضُّر الشَّخص والمجتمع، وعلامة صِدق الإيمان، وتقوى الله ومخافة اسمه الكريم، في كل زمان ومكان وليس فقط وقت العبادة، في المسجد أو الكنيسة. 
أخيرًا أقول إن قيمة الالتزام، خاصَّة هذه الأيام، أصبحت السِّباحة عكس التيَّار. لكنَّها علامة الحياة، والتميُّز، وعدم السَّير مع القطيع. نعم هي قيمة مفقودة اليوم، لدى كثيرين، لكن بقليل من الوعي والجهد والتدريب بإصرار، يمكن أن نُحييها ونَحياها فننجح ونتقدَّم.