رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قمة الملفات الإفريقية المزمنة

مع ملفى وباء «كورونا المستجد» والتغير المناخى، تصدرت خمسة ملفات مزمنة جدول مناقشات القمة الخامسة والثلاثين للاتحاد الإفريقى، التى انتهت أمس الأول الأحد، فى أديس أبابا، عاصمة إثيوبيا المنهكة بالصراعات الداخلية والحدودية. وكان أبرز ما شهدته القمة تعليق البت فى قرار منح إسرائيل صفة «عضو مراقب»، والإعلان عن تشكيل لجنة، تضم سبعة رؤساء، لدراسة هذا الموضوع فى إطار ضيق.

معظم جلسات القمة كانت خلف الأبواب المغلقة، ولم يتضح بعد ما إذا كانت قد تناولت الصراعات الدائرة فى الدولة المضيفة، أم لا. وبينما تم الإعلان عن قيام القمة، فى يومها الأول، بمناقشة «مقاربة جديدة» لتحقيق الأمن والسلم فى القارة، إلا أن البيان الختامى لم يتطرق إلى هذه المقاربة، كما لم يتحدث عنها بانكول أديوى، المفوض المكلف بالشئون السياسية والسلام والأمن فى الاتحاد الإفريقى، مكتفيًا بالإشارة إلى تمديد «مبادرة إسكات البنادق»، التى تم إطلاقها سنة ٢٠١٣، من أجل إنهاء النزاعات المسلحة بحلول سنة ٢٠٢٠، إلى سنة ٢٠٣٠، بسبب وجود صعوبات فى تنفيذها على أرض الواقع وتزايد بؤر التوتر فى القارة.

على مدار يومى القمة، جرت مناقشات مستفيضة، وفق ما تم إعلانه، حول تقييم مسارات تقدم المشروعات الخاصة بـ«أجندة إفريقيا ٢٠٦٣»، وسبل استئصال الفقر، الذى يغطى جزءًا واسعًا من الرقعة السكانية للقارة، ومشكلة انعدام الأمن الغذائى، التى يعانى منها معظم مواطنيها. وبأكثر من ٢٠٠ محاولة انقلاب، خلال العقود الستة الماضية، سيطر معظمها على الحكم، تصدرت ظاهرة الانقلابات جدول أولويات القمة، إلى جانب الصراعات الداخلية والحدودية والإرهاب. وكعادتها، جدّدت مصر تمسكها بالعمل الإفريقى المُشترك، ودعت دول القارة إلى تغليب روح التعاون والتكامل، لمواجهة جميع التحديات. 

مصر، كما أكد رئيسها، فى مناسبات وسياقات مختلفة، تتطلع إلى العمل مع جميع الأشقاء الأفارقة، فى ضوء التحديات العديدة التى تواجهها القارة، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، والتى تتطلب مواجهتها تضافر كل الجهود وتفعيل آليات الاتحاد الإفريقى. كما ركزت دبلوماسية «دولة ٣٠ يونيو» على معالجة الأسباب الجذرية لتلك التحديات، عبر أنشطة بناء السلام وتثبيت الاستقرار. ووسط الأسئلة العديدة المطروحة حول دور الاتحاد الإفريقى والعديد من المنظمات، مثل «الإيجاد» فى شرق القارة، «سارك» فى جنوبها، و«الإيكواس» فى غربها، أكدت مصر، قولًا وفعلًا، أنها لا تدخر جهدًا لتحقيق تطلعات القارة والحفاظ على مصالحها.

فى محاولة لتجسيد روح التضامن بين دول القارة السمراء، تأسست منظمة الوحدة الإفريقية سنة ١٩٦٣، وتغير اسمها سنة ٢٠٠٢ إلى الاتحاد الإفريقى. وكان مؤسفًا أن تشهد الفترة الواقعة بين هاتين السنتين، وما بعدها، تراجعًا فى دور مصر الإفريقى، مع أنها لعبت دورًا محوريًا، أو الدور المحورى، فى بلورة الرؤية الإفريقية المُشتركة. لكن بقليل من التركيز، يمكنك ملاحظة أن مصر، منذ منتصف ٢٠١٤، بدأت تستعيد مكانتها دوليًا وإقليميًا، وأولت قضايا القارة السمراء أولوية متقدمة فى سياستها الخارجية، وقامت بتكثيف التواصل والتنسيق مع أشقائها الأفارقة، وحرصت على تعزيز علاقاتها مع دول القارة فى مختلف المجالات وعلى مختلف الأصعدة، وقامت بتسخير إمكاناتها، وجهودها، وخبراتها لدفع عجلة العمل الإفريقى المشترك.

استمرارًا لهذا النهج، جرت، مثلًا، خلال الرئاسة المصرية لمجلس الأمن والسلم الإفريقى، فى نوفمبر الماضى، سلسلة من المُشاورات مع مفوضية الاتحاد الإفريقى، والثلاثى الإفريقى بمجلس الأمن الدولى، ولجنة الأمم المُتحدة لبناء السلام. كما أولى شهر الرئاسة المصرية للمجلس اهتمامًا كبيرًا بتطورات الأوضاع فى السودان، وقام وفد من المجلس، بزيارة ميدانية للصومال، لتقديم الدعم اللازم للدولة الشقيقة فى هذه المرحلة الحاسمة من المُواجهة مع «تنظيم الشباب» الإرهابى. ويمكننا أن نقول، إجمالًا، إن تعاون مصر البنّاء لم يتوقف، مع شركائها، فى المنطقة العربية والشرق الأوسط وإفريقيا والعالم، من أجل تحقيق السلام، والاستقرار والتقدم.

.. أخيرًا، ومع جهود «مركز الاتحاد الإفريقى لإعادة الإعمار والتنمية فيما بعد النزاعات»، الذى تستضيفه القاهرة، يحتاج الاتحاد إلى آليات مناسبة تمنحه دورًا أكبر على الساحة الدولية، وتمكّنه من حسم الملفات المزمنة، التى عرقلت محاولات النهوض بالقارة لعقود طويلة.