رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دماء «ألدو مورو» فى مزاد!

بـ٢٦ ألف يورو، باعت دار مزادات فى روما، أمس الأول الخميس، وثيقة إعلان منظمة «الألوية الحمراء» عن اختطاف ألدو مورو، رئيس الوزراء الإيطالى الأسبق، أحد أبرز الوجوه السياسية الأوروبية خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذى اتهمته المنظمة بـ«التواطؤ مع القوى الإمبريالية»، ثم قامت بإعدامه.

كثيرون انتقدوا طرح تلك الوثيقة فى المزاد، أبرزهم الصحفى ماريو كالابريسى، الذى تم اغتيال والده أيضًا، سنة ١٩٧٢، برصاص اليسار المتطرف، خلال عمله مفوضًا للشرطة فى ميلانو. وبحسب كالابريسى فإن «هذه الصفحات تقطر دمًا، ولا يجوز شراؤها أو بيعها أو أن تصبح مادة لهواة جمع المقتنيات»، بل ينبغى أن يتم عرضها فى متحف أو فى نصب تذكارى «كى تذكّرنا بوحشية الإرهاب».

على الجانب الآخر، شكك باولو بيرسيشيتى، العضو السابق فى منظمة الألوية الحمراء، فى قيمة الوثيقة، مؤكدّا أنها ليست أصلية. وبعيدًا عن الجانبين، فالثابت أن ١٧ وثيقة أخرى «تقطر دمًا»، تتعلق بالجريمة نفسها، باعتها دار مزادات فى ميلانو، سنة ٢٠١٢، من بينها وثيقة الإعلان عن تنفيذ حكم الإعدام.

مورو، Aldo Moro، كان أستاذًا للقانون فى جامعة بارى، وتولى وزارات العدل والتعليم والخارجية، ثم ترأّس الحكومة مرتين: من ١٩٦٣ إلى ١٩٦٨، ومن ١٩٧٤ إلى ١٩٧٦. وفى ١٦ مارس ١٩٧٨، اختطفته منظمة الألوية الحمراء، من وسط العاصمة الإيطالية روما، بعد أن قتلت سائقه وكل أفراد حراسته الخمسة. وبعد ٥٥ يومًا، تحديدًا فى ٩ مايو التالى، تم العثور على جثته وبها إصابات بطلقات نارية، داخل صندوق سيارة متوقفة، فى منتصف المسافة بين مقر الحزب الشيوعى الإيطالى ومقر الحزب الديمقراطى المسيحى!.

انضم مورو إلى الحزب الديمقراطى المسيحى، سنة ١٩٤٥. وبصفته رئيسًا للحزب، فتح سنة ١٩٧١ باب الحوار مع الحزب الشيوعى الإيطالى، انتهى إلى اتفاق يمتنع بموجبه الأخير عن معارضة الحكومة فى البرلمان، دون أن يؤيدها، ثم وافق، بعد جلستين عقدهما أمينه العام مع مورو، سنة ١٩٧٨، على المشاركة فى الحكم. وعليه، قيل إن اليسار المتطرف، الذى كان يعارض سياسات الحزب الشيوعى، سعى إلى قطع الطريق أمام هذا الاتجاه. واتهم آخرون الولايات المتحدة بالضلوع فى الجريمة، ولم تحسم الأمر لجنة التحقيق، التى شكلها البرلمان الإيطالى، وإنْ أعلن السيناتور جوفانى بيليجرينو، رئيس تلك اللجنة، فى ٢٧ فبراير ١٩٩٩، عن تورط جهاز المخابرات الإسرائيلى «الموساد»، مرجعًا ذلك إلى أن مورو كان صديقًا للعرب.

المهم، هو أن الوثيقة، التى بيعت يوم الخميس، مكونة من صفحتين تحملان شعار المنظمة، وتنص على أن «خلية مسلحة من الألوية الحمراء اختطفت وسجنت ألدو مورو، رئيس حزب الديمقراطيين المسيحيين، فى سجن الشعب»، لانخراطه فى «برامج معادية للثورة تريدها البرجوازية الإمبريالية».

من ذلك السجن، «سجن الشعب»، وجّه ألدو مورو عشرات الرسائل إلى زوجته، وإلى جوليو أندريوتى، رئيس الحكومة، وكذلك إلى كورت فالدهايم، أمين عام الأمم المتحدة، والبابا بولس السادس، بابا الفاتيكان، دعا فيها إلى التفاوض مع الخاطفين، الذين كانوا يطالبون بإطلاق سراح ١٣ سجينًا ينتمون للمنظمة.

لم تستجب الحكومة الإيطالية إلى مطالب المنظمة، وأجمعت غالبية القوى السياسية على رفض التفاوض، أو ما وصفوه بـ«الابتزاز»، ما دفع مورو، إلى أن يوصى زوجته، فى رسالة لاحقة، برفض أى مبادرة محتملة لمنحه الوسام، الذى يُمنح عادة فى مثل تلك الظروف، كما أوصى أيضًا بألا يشارك قادة الأحزاب الإيطالية، والسياسيون إجمالًا، فى جنازته. وعاتب بابا الفاتيكان لأنه «لم يبذل إلا القليل من الجهد»، مع أن البابا وجّه نداء «إلى رجال الألوية الحمر» يناشدهم فيه «ساجدًا» إطلاق سراح مورو «دون قيد أو شرط».

.. وتبقى الإشارة إلى أن منظمة الألوية الحمراء، التى تأسست سنة ١٩٧٠، ارتكبت حتى سنة ١٩٨٨ حوالى ٧٥ عملية اغتيال ومئات عمليات الخطف والسرقة. وقد تكون الإشارة مهمة، أيضًا، إلى أن تلك الفترة، المعروفة باسم «سنوات الرصاص»، شهدت موجات من أعمال العنف، ارتكبتها جماعات يسارية ويمينية متطرفة أخرى، وانتشرت فيها الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات، وسط غياب شبه تام لمؤسسات الدولة واتهامات لكبار المسئولين والسياسيين بالتواطؤ مع تلك الجماعات وعصابات المافيا.