رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تكون مثقفًا؟

«الثقافة» كلمة ذات معانٍ عدة، منها عام ومنها خاص، وأيضًا لها استخدامات عدة، بعضها عامى يومى وبعضها اصطلاحى أكاديمى، فالثقافة لغة هى التهذيب والصقل، لكنه من المفيد أن نفهم الثقافة بمعناها الاصطلاحى الأكاديمى وليس اللغوى.

فمن خلال تعريفاتها العلمية المثيرة الكثيرة التى تتباين فيها طرائق التناول وحقل ومجال التناول، لكننا نستطيع أن نقول- اختصارًا- التعريف الذى أميل له، وهو كما أظنه تعريفًا جامعًا مانعًا، فأقول الثقافة هى كل ما نرثه كأفراد ومجموعات من المجتمع والبيئة لا جينيًا، فالثقافة هى مجموع ما نلقنه من نعومة أظافرنا من نظم وعادات وتقاليد ولغات ولهجات وأديان ومذاهب وغير ذلك من أفكار وسلوكيات نتلقاها ونلقنها دون حول منا ولا قوة.

وصدق أبوالعلاء المعرى، فيلسوف الشعراء، عندما قال: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه.

وكلنا هذا الرجل أو تلك المرأة، فتشكلنا ووعينا وسلوكياتنا وعقائدنا تمت دون اختيار أصلًا من الوسط المجتمعى الذى نعيش فيه سواء البيت أو الأهل أو المعبد أو المدرسة أو الفنون والفلكلور الشعبى وغير ذلك مما نتلقاه يوميًا.

وبعد فترة طالت أو قصرت نستطيع أن نعى وعيًا خاصًا به، نستطيع أن نتفكر فى موروثاتنا ونراجعها وننتقدها فنأخذ منها وندع.

فلن يكون هذا إلا بتشكيل عقلية نقدية تحليلية تحتاج منا إلى بذل مجهود شخصى ليس بالهين حتى لا تكون عقليتنا مشوهة أو مستسلمة لزيوف الموروثات وزخارفها.

وهنا نخرج من الثقافة بمعناها اللغوى وهى التهذيب والصقل، ومعناها الأكاديمى العام وهى موروثات مجتمع ما غير الجينية الطبيعية، ونتجه إلى المعنى الخاص المراد به كيف تكون محللًا للثقافة ومختارًا لها وناقدًا لمفرداتها، وهذا هو معنى أن تكون مثقفًا.

وهنا يأتى سؤال لكل منّا وهو: كيف أكون مثقفًا أو كما يسمى فى مجتمعات أخرى كيف نكون فردًا من الأنتليجسيا أو النخبة الواعية المتعلمة؟.

قد يظن بعضنا أن الإجابة السهلة هى الذهاب إلى المدرسة والجامعات سواء المحلية أو الدولية والدراسة فيها والحصول على أعلى الدرجات العلمية فى تخصص ما، وقد تكون هذه الإجابة نوعًا ما مفيدة لكن فائدتها جزئية، فالأمر أكبر من ذلك، فقد تكون الجامعة والدرجات العلمية غاية فى الفائدة لتكوين مختص بفرع من فروع المعرفة، كأن تكون مدرسًا أو طبيبًا أو مهندسًا أو محاسبًا لكن كل هذا لن يجعل منك عزيزى وعزيزتى مثقفًا واعيًا ولن تتشكل لك عقلية نقدية تحليلية تستطيع تحليل الثقافة نقديًا التى ولدت فيها، وأيضًا الثقافات التى تتفاعل وتتصارع مع موروثاتنا الثقافية بوجوهها المتعددة المتناقضة التى تحمل الجميل والقبيح والموضوعى والذاتى والعلمى والخرافى.

وهكذا نجد أنه كى تكون مثقفًا يعنى أن تملك عقلًا موضوعيًا نقديًا تحليليًا تحلل وتنقد به كل ما نتلقاه لا جينيًا أو طبيعيًا من المجتمع الذى ولدنا فيه أو الذى نعيش فيه أو الذى هاجرنا إليه.

وأيضًا لدينا القدرة على فهم الوافد علينا من أفكار ومذاهب وأديان وفلسفات ثم بعد ذلك تحليلها ونقدها والاختيار الحر الواعى من كل هذا.

وهنا يأتى سؤال كيف أكون عقلًا نقديًا لكى أكون مثقفًا حقًا وليس متعلمًا لتخصص ما فقط، وهذا ما سنحاول تناوله فى مقالنا التالى.