رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية

 

مع بداية العام الجديد يبدأ المجلس القومى لحقوق الإنسان بتشكيله الجديد مباشرة عمله المهم، فى مجال حقوق الإنسان على أرض بلدنا الحبيبة مصر، مع تطلعات الشعب المصرى وآماله فى حياة أفضل وأحسن على كل المستويات، لتحقيق الكرامة والتقدم والرخاء والنهضة والاستقرار لمصرنا العظيمة. ولا يغيب عن القراء والقارئات أن استقرار البلاد وأمنها يستتب بأمن وأمان المواطن بالتمتع بحقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثلما جاء فى مواد دستورنا ومواد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى وقَّعت عليها مصر وأصبحت نافذةً، وذلك منذ الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى شاركت فى صياغته مصر. 

ويبدأ المجلس القومى لحقوق الإنسان مباشرة عمله متزامنًا مع إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان من عام ٢٠٢٢ إلى عام ٢٠٢٦، وإطلاق "عام ٢٠٢٢ عامًا للمجتمع المدنى"، مما يلقى المسئولية الكبيرة على عاتق المجلس بتشكيله الجديد على مراقبة السلطة التنفيذية، ومطالبتها بتفعيل وتنفيذ ما جاء فى بنود الاستراتيجية من حق الإنسان فى الحريات، وكل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية. وسأركز فى هذا المقال على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمواكبة ما يتم فى مجلسى الشيوخ والنواب من مناقشة لقانون العمل، وأيضًا قانون التأمينات الاجتماعية الذى طالب معظم فئات الشعب المصرى بتعديله لتضررها من تطبيقه.

كما نتمنى من المجلس القومى لحقوق الإنسان أن يتعاون مع منظمات المجتمع المدنى من أجل مناقشة ووضع مقترحات أو تعديلات خاصة بقوانين وتشريعات ولوائح تتفق مع تفعيل هذه الاستراتيجية، حتى لا تتحول إلى نصوص مكتوبة نتحدث عنها دون تنفيذها. 

ويهمنى ذكر بعض المواد الدستورية المتعلقة بحقوق المواطن، ومنها المادة "٤" التى تنص على أن السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، وصون وحدته الوطنية التى تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين.

وفى الثلاثة فصول الخاصة بالمقومات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية نجد المادة "٨" والمادة "٩" اللتين تلزمان الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعى، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، وتحقيق تكافؤ الفرص دون تمييز.

المادة "١١" التى تنص على المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق، والتزام الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتتضمن أيضًا "تكفل الدولة تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل".

والمواد "١٢ و١٣ و١٤" تتضمن حق المواطنين والمواطنات فى العمل وبمقابل عادل ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل. 

والمواد "من ١٨ إلى ٢٥" تتضمن حق المواطن فى الصحة والتعليم الأساسى والتعليم الفنى، والجامعى، وحقوق القائمين على العملية التعليمية، كما تنص على أن تكفل الدولة استقلال الجامعات وحرية البحث العلمى وتشجيع مؤسساته، وأن تعمل الجامعات على تدريس حقوق الإنسان والقيم والأخلاق المهنية للتخصصات العلمية المختلفة، وأن تلتزم الدولة أيضًا بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين فى جميع الأعمار، وتلتزم بوضع آليات تنفيذها بمشاركة منظمات المجتمع المدنى. 

وتنص المادة "٢٧" على أن النظام الاقتصادى يهدف إلى رفع مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة والقضاء على الفقر، وتقليل الفوارق بين الدخول بحد أدنى يضمن الحياة الكريمة وبحد أقصى فى أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر.

أما المادة "٣٨" فتلزم الدولة بنظام ضريبى عادل "يراعى فى فرض الضرائب أن تكون متعددة المصادر وتكون الضرائب على دخول الأفراد تصاعدية متعددة الشرائح وفقًا لقدراتهم التكليفية".

ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أنه بعد صدور الدستور فى أوائل ٢٠١٤ حتى الآن لم يتم تفعيل معظم المواد الخاصة بالحقوق الاقتصادية بخصوص الأجور، وبخصوص النسب المنصوص عليها فى الدستور الخاصة بميزانية الصحة والتعليم والبحث العلمى، حيث يلزم الدستور الدولة بنسبة تصل لـ١٠٪ من الناتج القومى الإجمالى للإنفاق على "الصحة، والتعليم الأساسى والجامعى، والبحث العلمى" منذ بدء الدستور فى ٢٠١٤، على أن تزيد تدريجيًا إلى النسب العالمية التى يصل متوسطها إلى ٢٠٪، وحتى الآن ما يتم صرفه منذ ٢٠١٤ "٤٫٦٪" فقط! 

أما بالنسبة للضرائب التى تعتبر موردًا أساسيًا لإيرادات الدولة فأيضًا يشوبها عدم العدالة كما ينص الدستور، حيث إن الضرائب لا بد أن تكون تصاعدية مع زيادة الدخل كما فى كل دول العالم التى تصل لـ٥٠٪ و٦٠٪، وكان الحد الأقصى للضريبة التصاعدية فى مصر ٤٠٪ حتى عام ٢٠٠٥، وبعدها بدأت مع وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى فى التناقص إلى ٢٠٪ محاباة لرجال السلطة ورأس المال ولم يتم تصحيح ذلك، والضريبة الآن حدها الأقصى ٢٥٪، وذلك استمرارًا لنفس السياسات التى تسببت فى ظلم فادح للشعب المصرى الذى يعانى من غلاء الأسعار، وقلة الأجور، وزيادة نسبة الفقر التى تصل وفقًا للبيانات الرسمية "٢٩٫٧٪" من السكان.

كما أنه بالمخالفة للدستور يتم التمييز بين فئات الشعب المصرى فى الأجور والمرتبات، وذلك باستثناء عدد من الهيئات من الحد الأقصى للأجور، وأيضًا يشتمل القانون ١٤٨ للتأمينات الاجتماعية والمعاشات على هذه الاستثناءات، ما يتنافى مع المواد الدستورية التى تنص على عدم التمييز، ويتنافى أيضًا مع المعاهدات الدولية التى وقَّعت عليها مصر، ومنها العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وبالمخالفة أيضًا لقوانين منظمة العمل الدولية.

كما ينبغى الانتباه إلى أنه لا يمكن تطبيق العدل والعدالة والمساواة ودولة سيادة القانون دون مكافحة الفساد "الإدارى والأخلاقى والاجتماعى" الذى يُشكِّل إحدى العقبات أمام تحقيق التنمية المستدامة، باعتباره ظاهرة متعددة الأبعاد، تقوِّض النمو، وتعيق تحقيق جودة الحياة، وتؤدى إلى ارتفاع معدلات الفقر، وضعف الثقة فى المؤسسات العامة، وتؤثر سلبيًا على حقوق الإنسان.