رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسئوليتنا كمواطنين لحياة أفضل مع سنة ٢٠٢٢

لا شك ونحن ننهى عامًا ونبدأ عامًا أننا نتمنى أن يكون العام الجديد أفضل لنا، إلا أن كلمة أفضل تقتضى منا أن نتنبه إليها، حيث إننا مطالبون بأن نشارك فى بلوغ هذا الهدف، حيث إن هناك مسئولية مجتمعية على كل منا لتحسين أحوال بلدنا كمواطنين إن كنا نريد حياة أفضل لنا ولبلدنا.. فلم تعد الأمور تحتاج إلى تأجيل وإلى اتباع اللامبالاة فى مواجهة الآتى، فمنذ أيام أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قرارًا مهمًا وجديدًا ومختلفًا عن كل قراراته السابقة، وهذا القرار قد أثار جدلًا واسعًا فى المجتمع، ومناقشات وتساؤلات أرى أنها كلها مشروعة، لأن هذا القرار أثار حفيظة البعض، أما أنا فقد توقفت عند هذا القرار مليًا وطويلًا، وأرى أنه ضرورى فى مواجهة مشكله تؤرق كل من لديه حرص واهتمام بتقدم بلدنا.

وهذا التصريح للرئيس يتلخص فى أنه لن تكون بطاقة التموين لأكثر من فردين وإلغاء بطاقات التموين لمن يتزوجون حديثًا، جاء ذلك القرار المهم الأربعاء الماضى خلال افتتاح الرئيس مجمع إنتاج البنزين بشركة أسيوط فى إطار زيارته الحالية للصعيد.

إن هذا القرار هو قرار قى تقديرى يتسم بالشجاعة، وقرار يضع كل مواطن ومواطنة أمام مسئوليته فى مواجهة قضية خطيرة هى قضية المشكلة السكانية التى أرى أنها قد استفحلت وأصبحت تشكل خطرًا مضاعفًا علينا، فلقد كتبت فى خطورة الزيادة السكانية المطردة عدة مقالات فى الدستور، مطالبة الدولة باتخاذ قرارات مبتكرة وشجاعة فى مواجهتها، ولم يتم خلال العقود الماضية وقفها أو التصدى لها بقرارات شجاعة وغير تقليدية، والواضح أن بعض المحاولات التى قامت بها الدولة، مثل مشروع «٢ كفاية» لم يؤت النتيجة المرجوة منه، فما زال وعى الشعب ضعيفًا فى مواجهة هذه المشكلة الخطيرة، ولا بد أن نصارح أنفسنا بحقيقة أليمة، وهى أن معظم  أفراد الشعب  المصرى يسيِّرون حياتهم وفقًا للأقوال المأثورة القديمة والأمثال الشعبية التى لا تتناسب مع العصر الحديث، والتى لا تتناسب مع التنمية الاقتصادية التى نأملها، والتقدم الذى نتمناه لبلدنا، ولا تتناسب مع تطلعاتنا لحياة كريمة لكل مواطن. ومن هذه الأمثال القديمة والأعراف المتداولة، التى ستبتلع أى تنمية اقتصادية تتحقق على أرض الواقع، أنها تقول إن كل طفل يأتى برزقه، أو أن إنجاب عدد كبير من الأطفال سيزيد من دخل الأسرة بتشغيلهم منذ سن صغيرة، أو أن تلجأ السيدات إلى كثرة الإنجاب لأنهن يعتقدن أنها وسيلة لربط الزوج بهن، ولا تزال فى المدن أيضًا أسر تعيش حياتها بهذه المعتقدات القديمة، رغم أن كثرة الإنجاب تضر بصحة المرأة وتكبد الآباء والأمهات مسئوليات قد لا يستطيعون القيام بها، كما أن الزيادة السكانية المطردة ستقف حجر عثرة فى مواجهة أى تقدم يتم إحرازه فى أى مجال، فمن ناحية هى ستجعل كل المشروعات القومية والخاصة التى تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والرخاء والرفاهية والتقدم للمواطن تذهب أدراج الرياح أولًا بأول، وثانيًا أن أى زيادة فى الموارد على أرض الواقع لن تجدى؛ لأن الزيادة السكانية المطردة ستجعلها غير ملموسة ولا تكفى، فقد أصبحنا وفق آخر رقم رسمى نزداد مولودًا كل ١٥ ثانية، أى أننا نزيد كل ٦ أشهر مليونًا، أى أننا سنزيد ٢ مليون مواطن مع نهاية العام المقبل، فكيف يمكن سد احتياجات أساسية لكل هؤلاء من غذاء وتعليم وصحة وإسكان، ومن أين تأتى الدولة بموارد لتكفيهم؟

إن قرار الرئيس بوقف البطاقات للمتزوجين حديثًا سيضع كل زوجة وزوج يفكران مليًا فى تحديد عدد الأطفال منذ بداية تأسيس عش الزوجية، وسيكونان مسئولين عن توفير كل احتياجات الغذاء لهم، ولن يعيشا على أساس أن الدولة ستتكفل بهم مما يعنى أن كثرة الإنجاب ستعنى بؤس العائلة والعجز عن توفير الغذاء.

إن هذا القرار سيضع كل أسرة أمام مسئوليتها فى توفير الغذاء لكل فرد فيها، وبالتالى سيفكر من يريد الزواج ألف مرة قبل أن ينجب عددًا كبيرًا من الأبناء مما يعنى الاكتفاء بطفل أو طفلين أو ٣ على الأكثر، وحتمية تحديد النسل وعدم الاعتماد على الدولة من خلال صرف بطاقات التموين التى تقدم دعمًا لكل فرد فيها.

إننا أيضًا فى حاجة إلى استبدال الثقافة القديمة التى تروج لكثرة الإنجاب بثقافة جديدة بتحديد النسل ضمانًا لرخاء الأسرة وتوفير حياة كريمة لها، وهنا يقع دور كبير على القوى الناعمة والإعلام والمثقفين والكتاب لنشر ثقافة جديدة تنير العقول وتروج لتحديد عدد الأطفال لكل أسرة، وتغيير الثقافة التى تعتمد على أن الحكومة هى المسئولة عن توفير كل احتياجات الأطفال من غذاء وكساء وتعليم وإسكان وعمل أيضًا بعد التخرج، ومن الواضح أنه سيكون على المواطن أن يعى أن عليه الاعتماد على عمله وجهده فى توفير احتياجات أسرته، وحساب كيفية إدارة حياته دون الاعتماد على الدولة من خلال بطاقات التموين.

كانت بطاقات التموين قبل هذا القرار يستفيد منها ٦٤ مليون مواطن، حسب الإحصائيات الرسمية الأخيرة، وأكد وزير التموين  والتجارة الداخلية د. على المصيلحى أن ما يأتى لنا من وزارة التضامن الاجتماعى سيجرى بحثه، وبالنسبة للفئات الأكثر احتياجًا أصحاب معاش الضمان الاجتماعى أو تكافل وكرامة أو أرامل أو أيتام أو الفئات الأولى بالرعاية، التى نص عليها قرار صادر سنة ٢٠٢١ يجرى إصدار بطاقات لهم لأنهم أسر مستحقة. وأكد الرئيس أيضًا أنه بسبب ثقافة النمو السكانى دون تقدير كيفية الإنفاق عليه يجب أن يتراجع. 

إننا الآن أمام ضرورة تغيير الثقافة القديمة التى سادت عقودًا طويلة وأدت إلى تفاقم وضع اقتصادى صعب، يضع الدولة فى موقف يتحتم معه حسم معضلة النمو السكانى الذى يبتلع أى تقدم أو تنمية تتحقق من أجل تحسين الحالة الاقتصادية لبلدنا ورخاء المواطنين، فقد وصل عدد السكان فى آخر إحصاء إلى رقم ضخم هو ١٠٢ مليون و٢٥٠ ألفًا يوم ٢٣ أغسطس الماضى، يليه ربع مليون آخر تم تسجيله فى يوم ١٣ أكتوبر الماضى، مما يتعذر معه تحقيق أى تقدم أو إيجاد مشروعات تكفى لهذه الزيادة المطردة المتسارعة، وليس هناك سبيل أمامنا إلا أن يكون المواطن شريكًا فى التنمية، وذلك بأن يكون مسئولًا، عن عدد أفراد أسرته، وأن يكتفى بطفل أو اثنين أو ٣ على أكثر تقدير، حتى يتمكن من الإنفاق عليهم وتوفير غذاء لهم.

لقد وضع الرئيس عبدالفتاح السيسى بهذا القرار الأخير المواطن أمام المسئولية المجتمعية التى تقضى بتحديد النسل وتنظيم حياة أسرته بما يكفل حياة كريمة لهم، والاعتماد على عمله وجهده فى ذلك، إنها ثقافة جديدة من الضرورى أن يستوعبها الجميع، وأن يتخلوا عن الأعراف القديمة والأفكار البالية التى لا تناسب الواقع الحالى.. واستبدالها بأفكار جديدة تصلح لبناء مستقبل أكثر رخاء أو أكثر أمانًا لهم.