رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفرنسى والجارية.. " ٢ "

بدأ نرفال على الفور في البحث عن زوجة حسب التعاليم المسيحية، ولكنه وجد أن الزواج بتلك الطريقة يكلفه غاليا وهو الحريص في إنفاق النقود.
ذهب نرفال إلى القنصل الفرنسي وعرض عليه مشكلته التي قد يطرد بسببها من البيت الذي استأجره لعدم وجود امرأة فيه.
قال له القنصل:
- إنهم يملكون هذا الحق، وقد سجل السيد كلوت بك هذا بالتفصيل في كتابه، ويحكي مستر لين القنصل الإنجليزي في كتابه أنه أجبر هو الآخر على هذه الضرورة، وفوق ذلك اقرأ كتاب ماييه القنصل العام في عهد لويس الرابع عشر، فستجد أن الأمر كان كذلك في زمنه، ينبغي لك أن تتزوج.
أجابه نرفال: 
- لقد عدلت عن ذلك، فإن آخر امرأة عرضت علىَّ قد زهدتني في الأخريات، ولم يكن لدي استعداد للزواج منها.
- هذا لن يغير وجه المسألة.
ثم نصحه القنصل الفرنسي أن يقتني جارية. فهي أرخص من حيث تكاليف الزواج. فضلًا عن أنها ستقوم مقام الزوجة وتعتني بشئون البيت. وفضلًا عن ذلك فإن القانون في مصر يسمح بذلك. 
قاده المترجم عبد الله إلى وكالة النخاسين، حيث تباع الجواري والعبيد في أسواق القاهرة، وهناك وجد اثني عشر عبدا، وكان القلق يبدو على العبيد أكثر من الحزن، وكانوا يرتدون القمصان الزرق التي يرتديها عامة الشعب، وأحاط بهؤلاء العبيد عدد كبير من التجار. كما وجدا هناك خمس أو ست جوار زنجيات جالسات في دائرة على حصير، وكان العدد الأكبر منهن يدخن، وكن يقهقهن ضاحكات. 
لم تعجب أي واحدة منهن نرفال وطلب مشاهدة أخريات، تكون زاوية الوجه لديهن أكثر اتساعا واللون الأسود أكثر وضوحا، وقيل له إن الأمر يتوقف على السعر الذي تريد تقديمه، الواحدة ممن تراهن هنا لن تكلفك سوى مائتين وخمسين فرنكا، وهن مضمونات لمدة ثمانية أيام إذا ظهر فيهن عيب أو عاهة. 
كان التجار يعرضون الجواري بعد أن يجردوهن من ثيابهن، وكانوا يفتحون شفاههن لرؤية أسنانهن لتقدير أعمارهن، وكانوا يأمرونهن بالمشي، ويولون اهتماما خاصًا لما تمتاز به نهودهن من مرونة.
لم تحظ أي واحدة منهن بإعجاب نرفال، لأنه لا يبحث عن مجرد جارية، بل امرأة أيضا. 
في وكالة عبد الكريم، أشهر وأكبر تاجر جواري في مصر، شاهد نرفال أكثر من جارية على قدر من الجمال، وكان الخيار بينهن شاقًا فقد كانت الجواري متشابهات وعلي قدر كبير من الجمال، ولما رأى التاجر حيرته أمر بإدخال جارية أخرى، وعندما شاهدها نرفال صدرت منة صيحة إعجاب، فقد تعرف فيها على العين اللوزية الشكل الواسعة، والجبين المائل المميز للجاويات اللاتي رأى رسومهن في لوحات الرسامين الهولنديين، كانت الجارية على الإجمال جميلة جدا، وقد فصل جسمها تفصيلا بديعا بشكل لا يدع مجالا للخوف من كثرة الإعجاب بها، كان بريق عينيها المعدني، وبياض أسنانها، ورخص يدها، وطول شعرها ذي اللون البني الغامق الذي شاهده نرفال عندما رفعوا طربوشها عن رأسها، كانت الجارية قد وصلت للتو من جزيرة جاوة الإندونيسية، قضت الجارية الجاوية جزءًا كبيرًا من عمرها في الأرخبيل تحت وصاية قرصان إمام مسقط، ولم تبق عند عبد الكريم سوي ليلة واحدة.
وقال نرفال للمترجم عبد الله إنها قضت الليل في بيت عبد الكريم التاجر. وفهم المترجم عبدالله ما يعنيه نرفال من تخوفه من احتمال أن يكون عبد الكريم قد عاشرها في تلك الليلة، وأخبره عبد الله بأن زوجات عبد الكريم الشرعيات لن يتركنه يغازل امرأة أخرى غيرهن، وفوق ذلك فهو تاجر، والتاجر يحظى بالثقة، ولو عرف عنه ذلك، فإنه سيفقد عملاءه جميعا. 
اشتري نرفال الجارية بأربعة أكياس بما يعادل ستمائة وخمسة وعشرين فرنكا، وأخذها من السوق إلى بيته.
وعندما صارت الجارية في البيت وجد نرفال نفسه محاصرا بطائفة من الأفكار التي لم تخطر على باله عند الشراء. 
فقد اكتشف نرفال أن عبد الكريم قد غشه، فقد وجد تحت الشريط الأحمر الذي يحيط بشعرها وجبهتها موضع بقايا من حرق قديم في عرض القطعة الذهبية من فئة الخمسة جنيهات، تبدأ من منبت الشعر، وحرق آخر بنفس الشكل على صدرها، وفوق هاتين العلامتين كان هناك وشم في ذقنها، وكان منخرها الأيسر مثقوبا، وعندما قدم لها الطعام في الصباح رفضت تناوله.
كما رآها بعد ذلك تنظر من النافذة إلى بعض الشبان في الملابس العسكرية كانوا يدخنون أمام البيت وأخذته الغيرة كالشرقيين، ولم يعثر على أي كلمة باللغة العربية يستطيع أن يفهمها أنه ليس من المستحب أن تنظر إلى العسكريين في الشارع.
قرر نرفال أن يستعين بمدام بونوم الفرنسية والتي تعمل بالتمثيل في مصر وتجيد العربية والفرنسية، لكي تعمل كمترجمة بينه وبين الجارية بدلا من عبد الله، لأن أحد اليهود أخبره بأن المترجم عبد الله من المحتمل أن ينقل أفكارًا سيئة للجارية.
وبالفعل قامت السيدة بونوم بدور المترجم، طلب منها نرفال أن تسألها عن اسمها وديانتها ومغامراتها قبل أن تصل إليه، وسبب امتناعها عن تناول الطعام في الصباح، أخبرته أن اسمها زينب، وأنها اختطفت وهي صغيرة من على شاطئ البحر، وبيعت في القاهرة، وقالت إنها مسلمة، ولم تتناول الطعام في الصباح لأنها صائمة.
كانت إجابات الجارية مرضية لنرفال.
كان القنصل قد دعا نرفال إلى رحلة للريف، ولم يكن من اللائق أن يصحب الجارية معه، كما أنه خاف أن يتركها ليوم كامل بمفردها مع الطاهي والبواب، ودله القنصل على أحد الأقباط واسمه منصور، من الذين تبعوا الحملة الفرنسية عقب رحيلها وأقام في مرسيليا، وعندما استولي البوربون على الحكم طردوه من فرنسا، بعد أن أبدى ولاءه للإمبراطور نابليون، وعاد إلى القاهرة من جديد هو وزوجته.. تبع.