رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سارة شريف تكتب: أرض التوتر

 

عندما تريد أن تشعل الشموع، فكر جيدًا متى ستنطفئ، وهل أنت على استعداد أن تدفع كلفة تحولها إلى نيران أم لا؟

الرئيس الإسرائيلى يتسحاق هرتسوج، الذى كان ذات يوم زعيم اليسار «رئيس المعسكر الصهيونى فى انتخابات ٢٠١٥» أشعل الشموع فى الأماكن المقدسة لليهود، فهذا بالطبع من حقه، لكن فرض أمر واقع على الأرض ليس حقك بكل الأحوال.

من بين كل الأماكن اختار «هرتسوج» بالذات الخليل، التى ليس لها مثيل فى التوتر ليبدأ احتفالات عيد الحانوكا بإشعال شمعة أولى فى مغارة المكفيللا فى الحرم الإبراهيمى فى الخليل. 

قبل أن تنطفئ الشمعة كانت النيران قد اشتعلت فى كل مكان، تصريحات وتنديدات من أطراف عديدة، والجامعة العربية أدانت، والفصائل الفلسطينية غضبت، والجهاد الإسلامى حذر من التداعيات.

زيارة الرئيس الإسرائيلى إلى مدينة تعتبر أرضًا للتوتر، ومعظم سكانها من الفلسطينيين ليست عبثية، ويعرف هرتسوج أنها لن تمر بهدوء «كل الزيارات السابقة للقيادات الإسرائيلية فى الحرم انتهت بمأساة».

لا يمكن اعتبار الزيارة لدواع دينية فقط، حتى لو كان هذا ما أراده هرتسوج، فالزيارة تحاول إضفاء شرعية على أوضاع محل نزاع.

الخليل تحكى قصة حزينة كل يوم، هى المكان الأشد توترًا فى الضفة الغربية كلها، الصورة فيها محزنة، شوارع منفصلة، يحظر على الفلسطينيين السير فيها، دخول سيارات الفلسطينيين الذين لا يزالون يسكنون هناك بقيود، حواجز فى كل منعطف.

الخليل أيضًا هى ساحة مواجهات بين الفلسطينيين والمستوطنين التى تصل لذروتها فى موسم قطف الزيتون، وتعلو وتهبط طوال العام.

زيارة هرتسوج جاءت بعد فترة من التوتر، وهو ما أضفى عليها طابعًا خاصًا، قبل أسابيع قليلة قالت منظمة بتسيلم إن إسرائيل تستخدم عنف المستوطنين كأداة رئيسية غير رسمية لطرد الفلسطينيين من أراضيهم الزراعية والمراعى فى الضفة الغربية، وأشار التقرير إلى أن المستوطنين قاموا على مدار الأعوام الخمسة الفائتة بالاستيلاء على نحو ٣٠ كيلومترًا مربعًا من أراضى المزارع والمراعى فى الضفة الغربية.

فى أول نوفمبر الماضى، كان على الأقل ٤ حوادث عنف للمستوطنين تجاه الفلسطينيين، مجموعة منفصلة من «فتيان التلال» الملثمين الذين يظهرون تحت جنح الظلام فى مكان ما من البؤر الاستيطانية الواقعة على أطراف الضفة الغربية يهاجمون الفلسطينيين.

وزير الدفاع الإسرائيلى، عقد اجتماعًا طارئًا مع كبار ضباط جهاز الأمن من أجل مناقشة الارتفاع الحاد فى عدد المواجهات بين المستوطنين والفلسطينيين فى الضفة الغربية، فى الجلسة تقرر تعزيز تطبيق القانون والتحقيقات فى الضفة، إلى جانب إعطاء تعليمات واضحة للجنود تمنع «الوقوف جانبًا عندما يتعرض الفلسطينيون لاعتداءات».

خلال أعوام طويلة، يحظى المستوطنون بحماية إسرائيل ودعمها، بشكل غير رسمى، الجيش الإسرائيلى يحميهم، والحكومة تدعم المستوطنات التى أقيمت دون تصاريح، وعمليات الإخلاء تماطل فيها النيابة، وفى الحالات القليلة التى اضطرت فيها الدولة إلى إخلائهم فى ميغرون وعمونة، ودريخ هآفوت عوضتهم بسخاء.

المستوطنون، لا يجرى توقيفهم، ولا يُحقَّق معهم، ولا يُحاكَمون، زيارة هرتسوج لهناك تعتبر تعبيرًا رمزيًا عن تضامن الحكومة الإسرائيلية مع المستوطنين.

الأمر ليس صدفة، مع إسرائيل لا توجد صدف، ومع هرتسوج أيضًا الصدف قليلة، نظرة سريعة فى تحركات الرجل، سنجد أنه توجه، فهذه ليست هى الزيارة الأولى لهرتسوج للمستوطنات، فقبل نحو ثلاثة أشهر، بعد وقت قصير من تسلمه مهام منصبه، سارع لأن يزور هار براخا- مستوطنة لديها سجل غير قليل فى العنف ضد الفلسطينيين.