رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللعبة النووية.. حسابات تل أبيب وواشنطن بعد استئناف مفاوضات فيينا

 إبراهيم رئيسى
إبراهيم رئيسى

فى الـ٢٩ من نوفمبر الماضى، تم استئناف المحادثات للعودة إلى الاتفاق النووى بين إيران والدول العظمى فى ڤيينا بعد توقف استمر لمدة ٥ أشهر، وبعد مرور ٤ أشهر على تولى إبراهيم رئيسى منصب رئيس الجمهورية الإيرانية، وحتى هذه اللحظة ليس واضحًا تمامًا كيف ستنتهى هذه الجولة من المفاوضات فى ظل غموض موقف القيادة الإيرانية الجديدة منها.

ورغم استئناف المحادثات النووية، لا تزال الحرب النفسية بين جميع الأطراف قائمة، لكن تبادل اللكمات لا يحدث بين طهران وشركائها فى المفاوضات، بل بين دولتين ليس لهما موطئ قدم فى المحادثات، هما إسرائيل والولايات المتحدة، التى لن يشارك مبعوثوها فى المفاوضات المباشرة بسبب معارضة طهران.

وفى السطور التالية، نستعرض مواقف الدول الثلاث، إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، حيال المفاوضات النووية، ورؤية كل منها لمستقبل هذه المفاوضات ومسارها.

إيران تماطل للوصول إلى «الحافة الذرية».. وإدارة بايدن تريد اتفاقًا مؤقتًا

تركز إيران فى الجولة الحالية من المفاوضات على مسألة الرفع الكامل للعقوبات الدولية عنها، بما فيها تلك التى فرضتها الإدارتان الأمريكيتان السابقتان، حتى تلك التى لا علاقة لها بالمسألة النووية مباشرة، وذلك قبل التطرق لموضوع برنامجها النووى.

وأكدت وسائل إعلام إيرانية مطالبة طهران التأكد من رفع العقوبات عنها قبل طلب أى خطوات تعيد برنامجها النووى إلى الوراء، مع التأكيد على طلب تعهدات من الإدارة الأمريكية بشأن عدم انسحابها مجددًا من الاتفاق الجديد.

وبالنسبة للقوى العظمى المشاركة فى المفاوضات، فإن كلا المطلبين غير منطقيين، ومن شأنهما أن يعطلا التوصل لاتفاق قريبًا.

وفى عشية المحادثات، نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرين؛ أحدهما يفصّل انتهاكات إيران للاتفاق النووى، ويشدد على استمرارها فى تكديس مواد على درجة عالية من التخصيب، مع استمرار منع الرقابة على منشآتها النووية؛ وتقرير آخر يفصّل القضايا الخلافية مع إيران، بشأن ما يُعتبر انتهاكًا لقانون منع انتشار الأسلحة النووية NPT، ويشمل ذلك عدم تقديم توضيحات تتعلق بمواد وأنشطة كُشف عنها فى ٤ منشآت لم تعلم الوكالة بها، وإلى جانب ذلك، اتبعت طهران سياسة تأجيل متعمدة فى التعامل مع المفاوضات، وعلقت طهران المحادثات فى فترة الانتخابات الرئاسية فى يونيو الماضى، ثم علقتها لبضعة أشهر أخرى بعد تولى إبراهيم رئيسى منصبه.

ويرى المراقبون أنه لا يمكن تقدير ما إذا كان النظام فى طهران قرر العودة إلى محادثات ڤيينا مع نية حقيقية لإجراء محادثات والتوصل فى نهايتها إلى اتفاق يعيد الوضع إلى ما كان عليه سابقًا، فى الاتفاق النووى سنة ٢٠١٥، أم أن طهران قررت عدم العودة إلى الاتفاق الأصلى، وذهبت إلى ڤيينا استجابة للضغوط التى مورست عليها، بهدف أن تثبت فى النهاية أن الولايات المتحدة هى المسئولة عن فشل المحادثات.

فى المقابل، تنظر الولايات المتحدة إلى المحادثات بنفاد صبر واضح، وتريد بشدة إزالة المسألة الإيرانية من جدول أعمالها كى تتفرغ لمعالجة مشكلات أكثر إلحاحًا بالنسبة إليها.

وتعتقد مصادر فى الإدارة الأمريكية أن إيران تريد تحقيق مكانة «دولة حافة نووية»، التى ستبقيها على مسافة قصيرة جدًا من إنتاج القنبلة النووية إذا أرادت ذلك.

وفى تقرير لمعهد أبحاث العلوم والأمن الأمريكى، كتب الباحث ديفيد أولبرايت أن كمية اليورانيوم المخصب بمستوى عال ما بين ٢٠ و٦٠٪، التى راكمتها إيران مؤخرًا، تقصر الزمن من أجل إنتاج القنبلة حتى «مسافة الاختراق»، التى هى ثلاثة أسابيع أو أكثر بقليل. 

وأوضح «أولبرايت» أن جزءًا من ذلك التقدم الكبير تحقق بفضل تركيب أجهزة طرد مركزية سريعة من نوع «آى. آر٦»، لافتًا إلى أن إيران إذا أرادت إنتاج السلاح النووى فإنها لا تزال بحاجة إلى تنفيذ الجزء العسكرى فى البرنامج، الذى يتضمن تركيب القنبلة كرأس نووى متفجر على صاروخ بالستى، وهى عملية يمكن أن تستغرق عامًا أو عامين، حسب الخبراء.

خلال الفترة الماضية، بذلت الإدارة الأمريكية جهدًا دبلوماسيًا مكثفًا لإظهار موقف موحد بينها وبين شركائها فى المفاوضات، وبين أطراف فى الشرق الأوسط، لأنها لا تزال ترى مصلحتها فى التوصل لحل دبلوماسى يكبح تقدم إيران فى برنامجها النووى.

كما توصلت الإدارة الأمريكية الحالية إلى استنتاج بأن الاتفاق الجديد إذا تم التوقيع عليه فإنه لن يتضمن العودة إلى بنود الاتفاق الذى تم التوقيع عليه قبل ست سنوات، لذا يهدف الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى العودة لاتفاق فى السنة الأولى من ولايته، وبعد ذلك يمكن التركيز على بلورة صفقة أطول وأقوى.

فيما يسود شعور لدى مسئولى الإدارة الأمريكية والشركاء الآخرين بأن فرص فشل المحادثات فى الظروف الحالية أكبر بكثير من إمكانية التوصل إلى تفاهمات للعودة الكاملة إلى الاتفاق النووى.

إسرائيل تتوقع عدم الحسم خلال الجولة.. وتستعد لخيار عسكرى لإجهاض المشروع

فى الوقت ذاته، تبحث الولايات المتحدة مع إسرائيل فكرة التوصل لاتفاق مؤقت مع إيران، توقف الأخيرة فى إطاره كل انتهاكاتها للاتفاق النووى، مثل التخصيب العالى لليورانيوم، واستخدام أجهزة الطرد المركزية المتطورة، مقابل أن تسمح واشنطن لطهران بتصدير النفط الإيرانى، وتحرير جزء من الأموال المجمدة فى الخارج، وهى فكرة ما زالت تعارضها طهران حتى هذه اللحظة.

ويرى الباحثان الإسرائيليان ألداد شافيط وسيما شاين فى دراستهما المنشورة فى معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى أن السيناريو الأقرب خلال الأشهر المقبلة من المفاوضات هو عدم الحسم، مع المحافظة على الغطاء الدبلوماسى لمحادثات ڤيينا. ويشيران إلى أنه، وبعد جولة المحادثات الحالية، وعندما يعرض الوفد الإيرانى مطالبه، ستعود وفود الأطراف كلها إلى دولها للتشاور، فيما ستجرى مواصلة الاتصالات فى عام ٢٠٢٢، مع تقدير مرور أكثر من نصف عام قبل أن تقرر الأطراف ما إذا كانت هناك جدوى من استمرار المحادثات أم لا.

وبشكل عام، تتحرك إسرائيل، خلال العامين الأخيرين، حيال إيران بشكل قوى، تضمن اغتيال محسن فخرى زاده، مؤسس البرنامج النووى الإيرانى، مع التسبب بانفجارات فى ٤ منشآت نووية ومنشآت صواريخ فى إيران، بهدف تأخير مشروع القنبلة النووية. ورغم أن مصادر استخبارية أمريكية ومراقبين دوليين ترى أن الإيرانيين أعادوا العمل فى المنشآت بسرعة، مع تركيب أجهزة طرد مركزية جديدة، يمكنها تخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر، فإن شخصيات إسرائيلية رفيعة قالت لصحيفة «نيويورك تايمز» إنه لا توجد أى نية لدى إسرائيل للتخلى عن حملة التخريب ضد المنشآت النووية. فيما قال بينى جانتس، وزير الدفاع الإسرائيلى، فى تصريحات لوسائل إعلام، خلال زيارته إلى المغرب مؤخرًا، إن إيران هى مشكلة عالمية قبل أى شىء، وبعد ذلك مشكلة إقليمية، وفى النهاية هى مشكلة بالنسبة إلى إسرائيل.

وأضاف: «فى ضوء ذلك، هناك حاجة إلى حشد دولى لمعالجة هذه المشكلة، ونحن نعمل على هذا المستوى، وفيما يتعلق بإيران، نحن ملزمون بالتأثير على شركائنا وإنشاء حوار مستمر، بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل ملزمة أيضًا ببناء وتطوير القوة العسكرية، وهذا يُعدّ أمرًا مهمًا بحد ذاته».

أما عن رؤية إسرائيل للمباحثات النووية الجديدة، فعلق يوسى كوهين، رئيس الموساد السابق، بالقول إن إسرائيل ستعتبر أن الاتفاق المستقبلى هو اتفاق جيد، إذا تضمن تفكيك المنشآت النووية فى «بوردو» و«نطنز»، مضيفًا: «إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم لأنها تستطيع، لهذا يجب وقف ذلك».

كما حذر نفتالى بينيت، رئيس الحكومة الإسرائيلية، من أنه «إذا حدثت العودة إلى الاتفاق النووى، فإن إسرائيل ليست طرفًا فيه، وغير ملزمة به».

ويرى مراقبون أن ذلك يرسل رسالة مباشرة إلى الرئيس الأمريكى وإلى دول الغرب الكبرى مفادها أن إسرائيل تعتبر نفسها حرة فى أن تفعل ما تشاء حيال التهديد الإيرانى، وترى أن المساعى الدبلوماسية لكبح تطور البرنامج النووى الإيرانى لا قيمة لها.

كما يرى المراقبون أن إسرائيل، وحتى هذه اللحظة، لا تأخذ فى حسابها المصلحة الأمريكية فى التوصل إلى اتفاق مع إيران، لذا تصر على الرفض المطلق للحلول الدبلوماسية، لكنها فى الوقت نفسه تمتنع عن الدخول فى جدال علنى مع الإدارة الأمريكية. ويؤكدون أن ثمة فجوة كبيرة جدًا بين إسرائيل والولايات المتحدة فى كل ما يتعلق بمفهوم الشروط المطلوبة لاستئناف الاتفاق، وتخشى تل أبيب من أن يكون الاتفاق الجديد شبيهًا بالاتفاق الأصلى الذى عارضته بشدة، وهو ما يدفعها للتلويح بخيار عسكرى فى ظل الظروف الحالية، رغم أن ذلك ليس خيارًا عمليًا ولا يحظى بدعم أمريكى.

وفى هذا الإطار، يسرع الجيش الإسرائيلى، فى الفترة الأخيرة، من استعداداته لاحتمال اللجوء إلى خيار عسكرى ضد إيران، وذلك بالتوازى مع التصريحات التى يطلقها كبار المسئولين فى المؤسسة السياسية الإسرائيلية ويؤكدون فيها إمكانية اللجوء إلى مثل هذا الخيار فى حال فشل الإجراءات الدبلوماسية.

وتجرى التدريبات، حاليًا، فى سلاح الجو وتشمل الاستعدادات لسيناريوهات متعددة يجرى جزء منها خارج حدود إسرائيل، وفى إطارها زاد الجيش الإسرائيلى فى الأشهر الأخيرة بنك الأهداف فى إيران، ما يجعل من غير الواضح مدى الضرر الذى يمكن أن تلحقه إسرائيل بالمنشآت النووية الإيرانية حال مهاجمتها.