رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تمخض الجبل فولد فأرًا


أتذكر عندما كنت مهندسًا بشركة المقاولون العرب في أوائل التسعينيات؛ أنني تقدمت لأداء فريضه الحج، كانت الرحلة مدعومة عن طريق الشركة، دعانا المهندس صلاح حسب الله، رئيس مجلس الإدارة حينئذ في نادي اليخت التابع للشركة لوداعنا قبل السفر وحضر اللقاء المهندس عثمان أحمد عثمان، نظر المهندس عثمان لنا وسأل المهندس صلاح: كم عدد المسافرين للحج فأجابه: ٣٠٠ فرد.
تعجب المهندس عثمان من قلة العدد وقال له: لماذا ٣٠٠ فقط فأجابه المهندس صلاح: لأن أسعار تذاكر الطيران مرتفعة والشركة تساهم فيها للعاملين.
رد المهندس عثمان غاضبًا: ولماذا لا تشتري الشركة سفينة؟ سيتضاعف العدد وتستطيع استغلالها في رحلات الحج والعمرة وحتي كل الرحلات من وإلي ميناء جدة طوال العام وتحقق أرباحا وتسعد العاملين بالشركة؟.. صفقنا جميعا للتفكير الذكي خارج الصندوق، فالرجل كانت دائمًا أفكاره سابقه لعصره.
وعندما تولي المهندس عثمان منصب نقيب المهندسين حدثت طفرة في النقابة وانتعشت ايراداتها واشتركت في العديد من المشروعات المربحة مثل بنك المهندس وشويبس ومصروب وغيرها، فزادت الخدمات لأعضاء النقابة وتضاعفت المعاشات والخدمات الطبية وعاشت نقابة المهندسين أزهي عصورها في عهده.
تذكرت تلك القصة في الإجتماع الهزلي الذي عقد أمس للجمعية العمومية لنقابة المهندسين، التصويت البدائي علي القرارات برفع بطاقات حمراء أو خضراء بدلًا من التصويت الإلكتروني علي قرارات مسبقة - رغم أنها نقابة للمهندسين - ثم تم عرض الميزانية الضخمة للنقابة فتوسم الأعضاء الإعلان عن زيادة للمعاشات تتناسب مع كرامة المهندسين الأعضاء لكن تمخض الجبل فولد فأرًا، الزيادة المقررة كانت فقط ١٢٠ جنيهًا.. ليصير معاش المهندس بعد ما يقرب من أربعون عامًا ٩٢٠ جنيها بدلًا من ٨٠٠.. الزيادة المهينة شبهها البعض بأنها ثمن كرتونتين بيض أو تلاتربع كيلو لحمة.
في كل أنحاء العالم تقوم الحكومات والنقابات بخصم مبالغ من الموظفين والمهنيين بحجه ردها لهم عند بلوغهم سن المعاش، المبالغ تصل للمليارات لذلك وجب علي الحكومة والنقابات استثمار هذه المبالغ الضخمة من أجل توفير عائد مجزي لكبار السن فور بلوغهم سن الستين، لذلك كان لزامًا عليهم التفكير خارج الصندوق لتوفير ما يكفل لكبار السن حياة كريمة تعادل ما بذلوه طوال عمرهم وشبابهم وقبل تدهور صحتهم، وجود مسئول في وزارة التأمينات الإجتماعية أو نقيب لا يفكر خارج الصندوق هو مأساة.. لا نريد موظفًا تقليديًا يتواجد من الثامنة صباحًا للثالثة ظهرًا ليعد الساعات حتي أخر الشهر ليتقاضي مرتبه وكفي.
المأساة أن الموقف متكرر في معظم النقابات المهنية يصرفون الفتات للأعضاء - عدا نقابة المحامين- رحم الله المهندس عثمان أحمد عثمان وكان الله في عون أصحاب المعاشات الذين يعانون الوهن والمرض وقله الموارد وتصلب عقول المسئولين.