رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفتى الجمهورية: الإسلام يحترم التنوع.. والإكراه على اعتناق العقائد مرفوض

 الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام

قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن الدين الإسلامي يحترم التعدد والتنوع، حيث نبَّهنا المولى- عز وجل- إلى ذلك في قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، مشددًا على أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- وخلفاءه الراشدين احترموا هذا التعدد والتنوع، ونظروا إليه نظرة تقدير واحترام.


وأضاف مفتي الجمهورية- في تصريحات أن الاختلاف والتنوع سنة كونية موجودة وملحوظة في الخلق، تراها في الإنسان والنبات والحيوان، وهي مقصودة شرعًا، موضحًا أن الاختلاف ليس شرًّا ما دام قد ابتعد عن التعارض المضر بالأمة، وأن قضية الإقصاء والاستعلاء الموجودة بين الجماعات المتطرفة تناقض سنة الاختلاف، لافتا إلى أن التنوع البشري أمرٌ حتمي ومقصد إلهي، مؤكدًا أن الإكراه على اعتناق العقائد مرفوض شرعًا؛ فالتعارف الإنساني صيغة إلهية لتحقيق التعايش البشري ونبذ الخلاف والشقاق.


وأكد أن الإسلام أرسى قواعدَ وأسسًا للتعايش مع الآخر في جميع الأحوال والأزمان والأماكن، بحيث يصبح المسلمون في تناسق واندماج مع العالم الذي يعيشون فيه، وجعل ذلك هو الأصل في التعاون والتعامل، كما شرع الله تعالى للمسلم أن يوطد علاقة الأخوة والحب مع الناس جميعًا، هذه العلاقة التي تصل إلى التزاوج بين المسلم والكتابية، وهو أمر ثابت في القرآن الكريم، مطالبا بضرورة التعايش والتسامح مع الآخر سَيْرًا على نهج النبي- صلى الله عليه وسلم- مشيرًا إلى أن فكرة المواطنة مأخوذة من وثيقة المدينة، التي لها جذور راسخة في المجتمع المصري منذ ظهور الإسلام، فأصبحت هي المهيمنة على سلوك المجتمع المصري حتى يومنا هذا، وفى هذه الوثيقة جوانب عظيمة تناولتها الكثير من الدراسات الحديثة وخاصة الجامعية، وفيها جوانب أخرى تحتاج للإبراز وإعادة الطرح.


وأشار مفتي الجمهورية إلى أن وثيقة المدينة المنورة كانت أول دستور للتعايش بين الأجناس المختلفة في الوطن الواحد، وهذا يعكس حرص الرسول- صلى الله عليه وسلم- بعدم إقصاء أي أحد، بل يحض على التواصل مع الجميع، فالرسول- صلى الله عليه وسلم- رفض مفاهيم الإقصاء حتى مع الذين لهم تاريخ في الإساءة إليه بمناهضته في طريق دعوته، بل كان خُلقه القرآن جامعًا لكل الفضائل والصفات.


وأكد أن الأعداء يضربون دائمًا على وتر العقيدة للوقيعة بين أي إنسان وآخر، وهذا ما فعلته قريش بين المسلمين والمسيحيين في الحبشة، وما يفعله أعداء الوطن اليوم لإيقاع الفرقة بين المسلمين والمسيحيين، مضيفًا أن جميع محاولات الوقيعة بين مسلمي مصر ومسيحييها باءت كلها بالفشل والخيبة، بسبب وعي المصريين عمومًا، فليس غريبًا أن يقوم أصحاب كل ملة بالدفاع عن الملة الأخرى عند الإساءة إليها؛ بل نجد كثيرًا من الكُتاب والمؤرخين من الطرفين يتميزون بالإنصاف والحق في كتاباتهم.


وضرب المفتي مثالًا عن أن مسلك النبي- صلى الله عليه وسلم- كان المحبة، كما حدث في فتح مكة بالعفو عمن ظلموه، وكذلك عندما هاجر صلى- الله عليه وسلم- وأصحابه للمدينة وكان أكثر أهلها وثنيين وكان فيها قبائل من اليهود وهم أهل كتاب ودين، وقد نظَّم النبي مع اليهود وغير المسلمين عقدًا اجتماعيًّا يعد نموذجًا مثاليًّا للتعايش؛ وذلك لتنظيم الحقوق، وواجب حماية المدينة وقواعد التعامل مع الأحداث، وبقي الأمر كذلك عدة سنوات، بالإضافة إلى أن نموذج الحبشة بين المسلمين والمسيحيين أثبت مدى الرقي الذي تعامل به كل من المسلمين والمسيحيين، وهو نموذج وقف أمام محاولات قريش للوقيعة بين الطرفين؛ بما يثبت أن محاولات الوقيعة بدأت منذ العصور الأولى، لكنها كانت دائمًا تبوء بالفشل، كما عاش المسلمون في الدولة الإسلامية مع أهل الكتاب، بل الوثنيين في العصور اللاحقة، وكانت بينهم وبين المسلمين صِلَات ومعاملات، ولم يؤمر المسلمون بقتلهم أو إخراجهم من الدولة الإسلامية.


وقال مفتي الجمهورية: إن التعايشَ مع الآخر بلا شك ضرورةٌ حياتية في ظل ما يعيشه العالم من أزمات مرجعها الأساس إلى فقدان هذه المبادئ، وأن التقدمَ والنهضةَ الإنسانية والتغلب على أزمات العالم المعاصر ومشاكله القائمة على فكرة الصراع الحضاري، لن يكون إلا باحترام الآخر وبالتعايش السلمي وإرساء مبادئ المحبة والحوار وقبول الآخر، ومن يفقه الحكمة الإلهية من هذا التنوع يدرك التكليف الإلهي باحترام الناس جميعًا الذين هم مظهر إرادته ومشيئته.