رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعلمون فى مصر

لا شك أن العملية التعليمية فى بلدنا لن تنهض إلا إذا استطعنا حل مشكلة المعلمين بشكل سليم، وهى مشكلة تستحق فى نظرى أن توضع كأولوية عاجلة إذا ما أردنا أن ننهض بالتعليم فى بلدنا، وأن ننهض ببلدنا، فالتعليم هو أساس تقدم المجتمعات وسبب أساسى فى عملية تطويرها وتحسين أحوالها والتصدى لمشاكلها وللتيارات الأصولية التى تستهدف عودتها للوراء وسيطرة رجال الدين المتزمتين على عقول مواطنيها.

إن من أهم مشاكل التعليم فى بلدنا التى أعتبرها كارثة الكوارث تتمثل فى وجود عجز فى عدد المدرسين، فضلًا عن عدم توافر عنصر الكفاءة فيهم فى كثير من الأحيان ونقص قدرتهم على التعامل الصحيح والمناسب مع التلاميذ.

لقد أدهشنى خبر جديد ورقم مخيف يهدد العملية التعليمية برمتها، ولا يصح أن يبدأ العام الدراسى مع وجوده، وهذا الخبر المخيف نشرته إحدى الصحف المصرية، وهو أننا فى بلدنا نحتاج إلى ٣٢٣ ألف معلم لسد عجز الابتدائى والإعدادى، وهذا الخبر أعلنته وزارة التربية والتعليم، حيث أعلنت عن تفاصيل عملية سد عجز المعلمين فى المدارس الذى وصل إلى نحو ٣٢٣ ألف معلم.

وقالت إنه تم الإعلان عن إعداد الأماكن الشاغرة، والمخصصات المالية لذلك، مشددة على جميع المتقدمين للعمل بالحصة ضرورة استيفاء كل الأوراق المطلوبة للتقديم والالتزام بقواعد العملية التعليمية، وأكدت الوزارة فى مستند رسمى مهم أن العجز فى المرحلة الابتدائية بمدارس محافظة الجيزة يصل إلى ٧٨٧٧ و١٦٠٧ فى المرحلة الإعدادية.

وأوضحت أن إجمالى العجز يصل إلى ٩٤٨٤ معلمًا فى المرحلتين معًا، وأوضحت «التعليم» أن العجز فى المعلمين فى المرحلة الابتدائية بمحافظة الدقهلية يصل إلى ٧٣٥٩ معلمًا، و٢١٠٢ فى الإعدادية، وإجمالى العجز فى المعلمين يصل إلى ٩٤٦١ معلمًا فى المرحلتين، وأكد وزير التربية والتعليم أن غرفة العمليات المركزية بالوزارة تتابع سير العملية التعليمية فى جميع المدارس على مستوى الجمهورية للتأكد من عدم وجود أى معوقات تؤثر على سير الدراسة.

وهنا أتوقف قليلًا أمام هذه القضية، لأن معنى وجود العجز هو أن هناك مشكلة فى العملية التعليمية لا بد أن تحل، وكان لا بد أن تحل قبل بداية العام الدراسى، لأن العجز يعنى أن هناك نقصًا فى تدريس المواد للتلاميذ فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية، فكيف ستحل هذه المشكلة الضخمة؟ وماذا سيحدث للمدارس التى بها عجز فى المدرسين؟.. هل معنى هذا أن تتم الاستعانة بالمدرسين الموجودين فى المحافظة بتكليفهم بالتدريس فى المدارس التى تعانى من عجز فى المدرسين؟ مما يعنى مضاعفة ساعات العمل لهم؟ ومما يعنى أيضًا أن هناك تقصيرًا من الوزارة فى حل هذه المشكلة قبل بدء العام الدراسى؟

إن من أهم مشاكل التعليم فى بلدنا أيضًا أن هناك معلمين ليسوا أساسًا معلمين، ولم يتلقوا تدريبًا على أداء مسئوليتهم، بل يتم توزيعهم تبعًا للقوى العاملة كمعلمين دون أن تكون لديهم الرغبة فى ذلك أو الكفاءة لهذه المسئولية المهمة، التى تعتبر فى نظرى رسالة مهمة للنهوض بالمجتمع، وليس مجرد وظيفة عادية أو عمل روتينى، بل إن القيام بتعليم وتأهيل وتوجيه الصغار فى مرحلتين أساسيتين كالابتدائية والإعدادية يعنى القيام ببناء عقولهم، وتكوين شخصياتهم، والتأثير فى أسلوب حياتهم، وإعدادهم لمواجهة مستقبلهم وبشكل سليم، وهى أيضًا وإلى جانب ذلك رسالة تربوية لما للمعلم من تأثير فى بناء شخصية كل تلميذ يتولى تعليمه وتوجيهه للمسار والتفكير الصحيح لمستقبله.

وللأسف، هناك معلمون فى بلدنا يتم توزيعهم كمعلمين بعد تخرجهم فى الكلية أو المعهد، دون القيام بتدريبهم وتأهيلهم لأداء رسالتهم كمعلمين، لهم تأثير فى تشكيل عقول عدة أجيال من التلاميذ، وهى مشكلة نلمسها جميعًا بحكم دورنا كأمهات، ومسئوليتنا فى متابعة تعليم أبنائنا والإشراف عليهم على أقل تقدير، حيث نلمس أن هناك أحيانا نقصًا فى الكفاءة المطلوبة لتدريس مادة معينة، وأيضًا عقليات مدرسين أبعد ما يكونون عن فهم نفسية التلاميذ، سواء أكانوا من البنين أو البنات.

ونظرًا لأهمية دور المعلم فى تشكيل وجدان وعقل التلميذ، فإنه فى اليابان يتم وضع المعلم فى أعلى مكانة اجتماعية، ويحظى بالاحترام الواسع بين جميع طبقات المجتمع، وفى الوقت الحالى عندما يدخل المعلم الفصل فى اليابان فلا بد أن يقف له التلاميذ، وينحنوا احترامًا له، ويتم إعطاؤه راتبًا يوازى راتب الوزير، مما أدى إلى تقدم سريع لليابان بسبب إعلاء مكانة المعلم والاهتمام بإعطائه دخلًا يتناسب مع أهمية دوره المجتمعى.

وبسبب مكانة المعلم وميزاته الكبيرة فإن هناك إقبالًا كبيرًا على مهنة المعلم فى اليابان، كما يحظى أيضًا باحترام أسرة التلميذ، أما فى مصر فإننا لا بد أن نعيد حساباتنا بشأن وضع المعلم وحالته المادية، فرغم الزيادة التى تقررت فى رواتب المعلمين فى مصر فى فبراير الماضى، فإنها لم تكن مرضية للمعلمين. وأتذكر هنا قصيدة شهيرة عن مكانة المعلم التى يستحقها لأهمية دوره فى المجتمع وهى لأمير الشعراء أحمد شوقى حيث يقول:

قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا.. أعلمت أشرف أو أجل من الذى.. يبنى وينشئ أنفسًا وعقولًا.

وهذه الأبيات كما هو واضح فإنها تدعو إلى تبجيل المعلم، وليس فقط احترامه، أو تقدير دوره، إلا أننى أضيف إلى هذا أننا فى حاجة إلى إعادة النظر فى مهنة التعليم فى بلدنا، وإعادة تشكيل السلم الاجتماعى، والاهتمام بتأهيل المعلم وإعطائه الاحترام المطلوب، والأجر المناسب لأهمية دوره، وأيضًا قبل هذا إشراف وزارة التربية والتعليم على أداء المعلمين فى بلدنا، حتى لا ترتع العقليات المتحجرة أو المتشددة أو ناقصو الكفاءة فى مدارسنا، بحيث يتم تسميم العقول بدلًا من تنويرها، وترويج الأفكار المتشددة والمتطرفة بما يضر بعقول التلاميذ فى مرحلة بناء وتنشئة عقولهم ونفسياتهم، لا بد أن يتم اختيار المعلمين ذوى الكفاءة والتدريب على العملية التعليمية، وتطهير التعليم من الدخلاء أو ذوى الفكر المتطرف، ولا بد فى المدارس من توافر المعلم ذى العقلية المستنيرة، والمحب لدوره، والمخلص فى أدائه، وبشكل سليم ومناسب لما ننشده من تطور وتقدم لبلدنا الغالية.