رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

متلازمة هافانا.. كلام جديد

الكلام القديم، نسبيًا، ستجده فى مقال سابق عنوانه «متلازمة هافانا.. مرض أم غرض؟». أما الكلام الجديد، فقاله أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، أمس الأول الجمعة، وتعهّد بالكشف عن ملابسات هذا المرض الغامض، الذى تم اكتشافه، لأول مرة، أواخر سنة ٢٠١٦، فى سفارة الولايات المتحدة بالعاصمة الكوبية، هافانا، ثم توالى الكشف عن حالات فى الصين، أستراليا، النمسا، ألمانيا و... و... حتى فى واشنطن، شملت إلى جانب الدبلوماسيين، ضباط مخابرات، مسئولين فى البيت الأبيض، وعملاء سريين لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

صداع شديد وغثيان ودوار وآلام فى الأذن مع فقدان السمع أحيانًا، وقد يشعر المصابون بارتجاج فى أدمغتهم، أو اهتزاز فى رءوسهم. ولا يوجد تفسير علمى لهذه الأعراض، فقط قيل إن سببها قد تكون هجمات بموجات قصيرة «ميكروويف» أو «ذبذبات كهربائية ومغناطيسية موجهة عن بُعد»، ورجّحت دراسة للأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم أن تكون ناتجة عن استخدام نوع من أجهزة «الطاقة الموجهة». وقيل أيضًا إن المتسبب فيها سلاح صوتى متطور. 

كان التفسير الأغرب، هو أن الهدف من استخدام تلك الموجات أو الذبذبات، قد لا يكون الإضرار بالدبلوماسيين أو الجواسيس الأمريكيين، بل مجرد جمع المعلومات من حاسباتهم وتليفوناتهم المحمولة. ثم ضرب روبرت دابليو بالوه، أستاذ طب الأعصاب فى جامعة كاليفورنيا، «كرسى فى الكلوب»، وقال إنه درس لفترة طويلة الأعراض الصحية غير المبررة، وعندما رأى التقارير الخاصة بـ«متلازمة هافانا» خلص إلى أنها حالة نفسية جماعية! 

بعد خمس سنوات من تصادم العلم والطب والتجسس والدبلوماسية والجغرافيا، أعلن وزير الخارجية الأمريكى عن تعيين اثنين من الدبلوماسيين المخضرمين، لتولى هذا الملف، وللتأكد من أن كل شخص ظهرت عليه الأعراض يتلقى الرعاية الطبية المناسبة. ودعا كل الدبلوماسيين المصابين إلى الحديث دون خوف من الانتقادات أو التداعيات السلبية. وأكد أن الضحايا المفترضين تتم رعايتهم، منذ الشهر الماضى، فى مستشفى جامعة جونز هوبكنز، موضحًا أن «بعض الدبلوماسيين يخضعون الآن لفحوصات عصبية وسمعية متعمقة قبل مغادرتهم العمل فى الخارج «من أجل الحصول على أساس للمقارنة إذا أبلغوا لاحقًا عن حادث صحى غير طبيعى».

مع ظهور «حوادث صحية غير طبيعية» للمرة الأولى، أو مع الإصابات الأولى، سحبت الولايات المتحدة دبلوماسييها ورجال مخابراتها وموظفيها من كوبا، ثم قامت بتخفيض عدد العاملين فى السفارة إلى الحد الأدنى، واتهمت كوبا بشن «هجمات بموجات صوتية»، وهو ما نفته الأخيرة بشدة. ومع ذلك، ومع أن ٢٦ شخصًا وأفراد أسرهم شكوا من مجموعة متنوعة من الأعراض، السابق ذكرها، بدا المسئولون الأمريكيون متشككين، ونسب بعضهم تلك الأعراض إلى الإجهاد، ولم تؤخذ شكاوى المصابين، على محمل الجد، بل وصل الأمر إلى حد اتهامهم بالجنون! 

تدريجيًا، اختلف الوضع وأصبح الكشف عن حقيقة هذه الأعراض أولوية قصوى. وأواخر أبريل الماضى، أعلن البيت الأبيض عن أنه كان على علم بتقارير إعلامية تحدثت عن إصابات محتملة فى الولايات المتحدة. كما أقرت المخابرات الأمريكية بأنها أصعب تحد تواجهه على الإطلاق. وقيل إنها أسندت هذا الملف للضابط نفسه، الذى قام بمطاردة أسامة بن لادن. لكنها لم تعلن إلى الآن عن أى نتائج أو استنتاجات. والشىء نفسه فعلته، أو لم تفعله، وزارة الدفاع ولجنة المخابرات فى مجلس الشيوخ الأمريكى، وجهات أخرى عديدة تجرى منذ شهور تحقيقات بشأن الموضوع نفسه. واللافت أن تلك التحقيقات واجهت مجموعة كبيرة من المشاكل، كان أبرزها عدم وجود تنسيق، وقيام الفريق الطبى التابع لكل جهة بالتشكيك فى كفاءات وقدرات فِرَق الجهات الأخرى!

.. وأخيرًا، نرى أن أهم ما تضمنه الكلام الجديد، أو وعود وزير الخارجية الأمريكى وتعهّداته، هو تأكيده أن بلاده «تعتمد على كل قدرات أجهزتها المخابراتية، وتقوم بتوظيف أفضل العقول العلمية، داخل الإدارة وخارجها». وهو ما قد يعنى بدء العد التنازلى لحسم المعركة الدائرة منذ خمس سنوات، بين النظريات والفرضيات المختلفة، وتبديد مخاوف جواسيس الولايات المتحدة ودبلوماسييها، من احتمالات إصابتهم بهذا المرض النفسى أو السلاح السرى!