رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كارثة ضرب الزوجات!

الموضوع الحساس قديم ومتجدد، وعالمي فليس محليًا وحسب، وله أبعاد شتى تتجاوز زمانه ومكانه، وذو آثار خطيرة على المؤسسة الأسرية، تصل إلى تدمير الكيان الأسري، وتشتيت الأطفال، لو كان الله قدر وجودهم ضمن أفراد الأسرة.

يضرب الرجال النساء لأسباب تافهة، كتأخر المرأة في إعداد الطعام، أو إهمالها تنظيف البيت وترتيبه بصورة يومية، أو عدم عنايتها الفائقة بنفسها، والضرب فعل مهين، يحدث الأذى البدني، ويحط من الكرامة الإنسانية، وحين أقول إن الرجال يضربون النساء لأسباب تافهة؛ فإن هذا لا يعني موافقة ضمنية على الضرب لأسباب ليست كذلك، وإنما القصد أن الضرب لأسباب قوية، يسهل تخمينها، قد يكون مفهوما، وإن بقي مرفوضا، والقانون هو الفيصل، وأما الضرب لما سبق ذكره، وجريانه وافر للأمانة، فقمة اللامعقولية!

تضرب النساء الرجال أيضا، غير أن الفعل نادر قياسا بضرب الرجال لهن، ومن هنا كان الحديث المستفيض فيه والتوقف الطويل عنده من المبالغة التي ربما كان غرضها التشويش على الأصل الفاسد: ضرب الرجال للنساء. 

يدخل الموضوع في دائرة العنف الأسري، وهو عنف متعدد، يشمل تحقير الجسد والبطش به (الضرب المبرح بالذات)، والإيلام الشعوري (الشتم بما يجرح الأحاسيس في الصميم)، والعقاب النفسي الذي تتنوع طرقه؛ فمن الانتقاص المبدئي من المرأة إلى الطعن في معظم أقوالها وأفعالها إلى التنمر لها ومعايرتها بأهلها أو تصرفاتها إلى التربص العام بها إلى مصاحبة غيرها عليها بعلمها وأحيانا أمام عينيها!

ولأن موضوع الضرب راسخ للأسف، بمعنى أن له جذورا تاريخية، فإن الرجال، ويا للأسى، لا يرونه جريمة نكراء، بل يرونه شيئا طبيعيا أكسبتهم إياه الحياة التي تنتصر للغلظة الذكورية على حساب اللين الأنثوي، وهكذا حصائلهم البائسة من التأمل والمعرفة وتراكم الخبرات! 
من ينتمون إلى الدين الإسلامي من هؤلاء الرجال، يتحجج بعضهم بالقرآن الكريم نفسه؛ فيقول: إن الله أمر بضرب النساء حال نشوزهن في آية صريحة، لا مجال لتأويلها بطريقة رحيمة، تصون المرأة من عذاب الصفع والركل.. يقصد مثله قوله تعالى: "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن".. لكن يلاحظ أن الضرب، بتتبعه في المعاجم اللغوية والقرآن، معناه المفارقة والمباعدة في الأغلب، وأما الضرب المتبادر إلى الذهن، ومعناه الإصابة والصدمة، فالمنصوح به، إذا جرى بين الزوجين، أن يكون لطيفا لا عنيفا على سبيل إبداء الامتعاض وإرادة التقويم، وقد أقره الشرع لسبب واحد خاص هو النشوز، ومعناه التعالي وإساءة المعاملة، وأقره متأخرا بعد تجريب أساليب دونه تحمل معنى الاحتجاج، ولا تخلف آثارا قاسية يستحيل محوها، والنشوز سبب مستفز طبعا، قد يجعل الشخص، ولو هادئ الطباع، عصبيا!
عموما، لم يضرب النبي، صلى الله عليه وسلم، امرأة ولا خادما، وحذر من ضرب الوجوه، وأوصى بالصبر، وكره بغي الرجال على النساء.