رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فصول مصر

استوقفنى رقم مهم تم إعلانه أخيرًا حول نسبة المتعلمين فى العالم، ونسبة غير المتعلمين، حيث أُعلن عن أن ١٠ فى المائة من سكان العالم غير متعلمين، أى أنهم أميون، ولو أردنا ترجمة هذه النسبة بالأرقام سنجد أنها تبلغ ٨٠٠ مليون فرد فى العالم أميين وغير متعلمين، وهى نسبة هائلة من عدد سكان العالم تعبّر عن حاجة مُلحة لنشر التعليم، ومعظم الأميين يوجدون إما فى دول فقيرة وإما فى الفئات الأكثر فقرًا.

والتعليم هو حجر الأساس فى حركة تقدم أى دولة وفى تطورها، وفى اللحاق بركب التقدم العلمى والتحول الرقمى الذى اجتاح العالم بسرعة مذهلة، وإذا ما قارنا هذه النسبة بنسبة غير المتعلمين فى بلدنا فسنجد أنها تصل حسب آخر الأرقام المعلنة فى ٢٠٢١، أى هذا العام، إلى ٢٠ مليون نسمة، معظمهم من الشباب والنساء، أى خُمس تعداد مصر غير متعلمين، أى أميين، أى لا يكتبون ولا يقرأون، وهؤلاء لا نعرف حتى الآن كيف سيتعاملون مع الرقمنة والتحول الرقمى السريع فى بلدنا.

أما الأخطر من هذا، فهو أننا لدينا كثافة فى الفصول الحكومية التابعة لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى، وهى مشكلة لا تزال فى حاجة إلى حلول عاجلة، وهذه مسئولية ينبغى أن نوليها اهتمامًا ونجعلها أولوية، لأن كثافة الفصول فى المدارس الحكومية تعوق عملية التعلم وتؤدى إلى تنشئة أجيال دون كفاءة ودون تعليم، وبأجساد هزيلة نظرًا لأن معظم المدارس الحكومية ليست بها ملاعب لممارسة الرياضات المختلفة.

وهناك تساؤل مطروح ومُلح هو: كيف سيتعلمون مع كثافة الفصول وفى ظل فيروس كورونا الموجود؟، هناك حلول خرجت مؤخرًا تطالب فى مواجهة كثافة الفصول الشديدة بتقسيم التعليم فى السنوات الإلزامية إلى ٤ فترات، إلا أن وزارة التربية والتعليم نفت هذا، وأكدت أنه يمكن تقسيم الفترات بحد أقصى إلى ٢ فقط، ولا أحد يعلم إن كان ٣ فترات سيؤدى إلى فصول مناسبة وصحية لتعليم جيد للتلاميذ؟ أم أننا فى حاجة إلى حل المشكلة من جذورها ببناء المزيد من المدارس والتوعية بتحديد النسل حتى يكون عدد الأبناء ٢ أو ٣ على الأكثر فى الأسرة الواحدة حتى يجدوا مكانًا فى التعليم، وحتى يلقوا التربية والتنشئة السليمة؟

إلا أنه من ناحية أخرى، فإن قلة عدد المدارس الحكومية وقلة عدد الفصول ليست هى الطامة الكبرى فى التعليم فى مصر، وإنما هناك فساد يحدث، وهناك افتقاد للرقابة والمتابعة من جانب المشرفين على المدارس الحكومية، وغياب الخبرات التربوية الكفيلة بتنشئة أجيال لديها انتماء للوطن ولديها قيم وأخلاق حميدة، وهناك افتقاد للقدوة بداخل هذه المدارس، فكثير من المعينين فى المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى ليست لديهم خبرات تربوية صالحة للتربية والتعليم أساسًا، بل هم خريجون يتم توزيعهم على المدارس من كليات مختلفة لأنهم فى حاجة إلى عمل فقط، وليس لأنهم راغبون فى هذه المسئولية المهمة والمهنة الحيوية فى تنشئة وتعليم أجيال كاملة للوطن.

أما الطامة الكبرى فى تقديرى، التى أطالب د. طارق شوقى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، بالالتفات إليها والاهتمام بها ووضع مراقبين لها، فهى مسألة السلوكيات الراقية المطلوبة فيمن يقومون بالعملية التعليمية والمسئولين عنها فى المدارس..فبعض هؤلاء، سواء من النُظّار أو المدرسين أو المشرفين، ليست لديهم أى فكرة عن أساسيات السلوكيات الواجب اتباعها مع التلاميذ. 

وأسوق هنا نموذجًا مما يستوجب توقيع عقوبة عليه من جانب وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، الذى يتجه بأقصى سرعة نحو التعليم بالتابلت رغم أنه لا بد من السير فيه بأسلوب مناسب للذين يعيشون فى الأرياف وفى القرى بعيدًا عن العاصمة والمدن الكبيرة- حيث إن هناك واقعة أليمة حدثت قد تدمر مستقبل تلميذة صغيرة اسمها «سلمى» بالمرحلة الابتدائية بمدرسة فى الإسكندرية، تم التعامل معها بلا رحمة ودون الاكتراث لطفولتها أو لتدمير نفسيتها وتشويه سمعة أسرتها أمام زملائها من التلاميذ الصغار، حيث تمت إذاعة اسمها علانية فى طابور الصباح ورفض دخولها الفصل لأن أهلها لم يكملوا دفع مصاريف المدرسة، ولما سألوها إن كانت قد دفعت المصاريف ردت الصغيرة: «ما اعرفش»، فأصدرت ناظرة المدرسة أمرًا بمنعها من دخول الفصل، وأوقفوها فى الشمس ٤ ساعات وهى تبكى، ولا أحد، سواء ناظرة المدرسة أو المشرفة أو المدرسين، يكترث لبكائها أو لكرامتها.