رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية المقاتل «نبيل» عاشق «الهارمونيكا» الشرس أمام الأعداء الإسرائيليين

انتصار أكتوبر
انتصار أكتوبر

عمل الروائي الراحل جمال الغيطاني٬ كمراسل عسكري على الجبهة خلال حرب الاستنزاف، ثم حرب أكتوبر التي تحل ذكراها الـ48 اليوم، خلال الفترة بين عامي 1969 و1974، والتي رصد فيها الأحداث والتطورات العسكرية على الجبهة. 

وترجم الغيطاني حصيلة هذه التجربة في أكثر من عمل توثيقي، بالإضافة إلى تأثر العديد من أعماله الروائية بتجربة التواجد على جبهة القتال كمراسل حربي.

ومما كتبه خلال هذه الرحلة قال "الغيطاني" في كتابه "المصريون والحرب.. من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر" الصادر عن الهيئة المصرية للكتاب: منذ ما يقرب من أربعة آلاف سنة، قام أجدادنا سنوسرت الثالث بعبور البحر الأحمر علي رأس أسطول حربي، نزل علي الشاطئ المقابل ليضرب فلول القبائل التي كانت تهدد الملاحة المصرية في البحر، كانت أول حملة مصرية تعبر البحر الأحمر، ولم تكن المرة الأولي التي يحارب فيها الإنسان المصري فوق البحر، فالمعارك البحرية دارت فوق النيل في بداية الدولة القديمة، عندما كان يتم إخضاع بعض الإمارات المتمردة في الوادي، ومن قبل في عصر الملك بيبي الأول تمت أول غزوة بحرية في تاريخ العالم اشترك فيها الجيش والأسطول، عندما قام القائد العسكري "أوتي" بالتوجه إلي سواحل فينيقية لتأديب القبائل التي اعتدت علي حدود مصر، وهكذا يثبت التاريخ أن الإنسان المصري ركب البحر وطوعه، سواء لنشر الحضارة في حوض المتوسط وحتي سواحل الصومال، أو خلال الحملات الحربية التي تخرج لتأديب البدو المغيرين.    

وأكد "الغيطاني": هذه خلفية تكمن وراء هؤلاء الرجال الذين يتحركون فوق مختلف القطع البحرية في الأسطول المصري، وجهوا ضربات متلاحقة ضد العدو، إغراق المدمرة إيلات بواسطة لنش صواريخ صغير، كان هذا علامة في الدور الذي ستؤديه الصواريخ في الحرب الحديثة. عندما أفسدت الصواريخ حرية الطائرات المعادية والدبابات خلال حرب أكتوبر، أيضا أصابت سلاح البحرية الإسرائيلية بإفقاده عددا من غواصاته بعد يونيو 67. عمليات قصف الساحل الشمالي لسيناء بواسطة مدمراتنا طوال حرب الاستنزاف، توجه ثلال هجمات ناجحة ضد العدو في فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، إن نوعية السلاح الذي يقاتل به المحارب تنعكس علي شخصيته، والمقاتل البحري المصري تجده هادئا جدا، حديثه أقرب إلي طريقة حديث رجل العلم وأستاذ الرياضيات، في إحدي قواعد البحرية التقيت بمجموعة من ضفادعنا البشرية، أحد المستويات الرفيعة والنادرة التي وصل إليها المقاتل المصري، المقاتل "نبيل" بالضبط في الرابعة والعشرين حصل علي ترقيتين استثنائيتين، وسيم جدا، شكله الخارجي لا يوحي أبدا بما في داخله، إذ يقترب الإنسان منه يكتشف أبعادا مختلفة في شخصيته، "نبيل" شاب كأي شاب من جيله له نفس الاهتمامات، زرقة البحر في عينيه، يحتفظ معه في وحدته بآلة موسيقية، أسمها "الهارمونيكا"، وبجوار البر الشتوي انسابت أنغام "الدانوب الأزرق" نفس تذوب رقة وشاعرية، ويغيب دقائق ليعود بلوحة حفرها فوق الخشب، تتأمل وجهه تري، تري فيه مراحل العمر كلها، رقة الطفولة، توهج الشباب، حنكة الشيخوخة، تختلط كلها معا، وفي لحظة معينة في ظل ابتسامته، من هيئة أسنانه الجانبية، يطل قدر من الشراسة المخيفة للحظات.

يقول قائد الوحدة مبتسما: “نبيل من أشرس مقاتلينا، أشترك في الهجوم علي إيلات مرتين، إن الجانب العنيف من شخصيته لا يبدو إلا في ساعات القتال، أو التدريب القاسي، وأنظر إلي نبيل، إلى ابتسامته، أراه مندفعا في الأعماق المظلمة تجاه القطعة الحربية للعدو يضع المتفجرات في قاع السفن، يقتحم المخاطر، لا يبالي، مستعد في أي لحظة تواجهه خلال القتال أن يفجر نفسه ليفجر العدو”.