رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العريف عادل العاطفى: صليت أجمل ركعتين فى حياتى قبل دقائق من الوصول للضفة الشرقية

العريف عادل العاطفى
العريف عادل العاطفى

بقيادته أول مركبة برمائية عبرت قناة السويس فى يوم النصر من المنطقة الوسطى لتثبيت رأس أول كوبرى تعبر عليه القوات، سطر المقاتل عريف عادل محمد مصطفى العاطفى اسمه بين أبطال مصر فى يوم مجيد من أعظم أيامها. 

ولد البطل، كما يروى عن نفسه فى الأول من سبتمبر عام ١٩٥١، ليعاصر مع أقرانه حروب مصر طفلًا وصبيًا، ويحمل لواء الدفاع عنها شابًا، ما رسخ لديه ولدى غيره من أبطال أكتوبر، عقيدة ثابتة ترى أن كل ما بذلوه من أجل الانتصار هو واجب كان عليهم جميعًا أداؤه لاستعادة الكرامة والعزة بعد سنوات الهزيمة والانكسار.

طفولة البطل كانت مختلفة عن كثيرين غيره، ففى الخامسة من عمره، لم يكن يسكته صوت ألعاب الأطفال، بل دوى المدافع وأصوات طلقات الرصاص، التى هطلت على مدينته بورسعيد أثناء العدوان الثلاثى على مصر فى عام ١٩٥٦، قبل أن يعانى مع أسرته من مرارة التهجير.

فى عام ١٩٧١، التحق البطل عادل العاطفى بالقوات المسلحة، وخدم بسلاح المهندسين العسكريين، إلى أن تم اختياره فى عام ١٩٧٣ للتدرب على قيادة مركبة برمائية، تعلم بها عبور نهر النيل فى منطقة القناطر الخيرية، دون أن يدرك أن القدر اختاره لمهمة جليلة فى يوم العزة والكرامة.

فى الرابع من أكتوبر عام ١٩٧٣- كما يروى البطل- اصطحبه قائد كتيبته إلى منطقة سرابيوم، جنوب مدينة الإسماعيلية، وأبلغه باختياره لحمل رأس أول كوبرى سيعبر عليه الجنود والمعدات قناة السويس، وتكليفه بتثبيت هذا الرأس فى الجانب الآخر من القناة.

لم يكن العريف مقاتل عادل العاطفى على علم بساعة الصفر، إلا أنه امتثل للأمر مع ٨ من زملائه، الذين تم تكليفهم معه بذات المهمة، التى تضمنت إخفاء مركبتهم البرمائية فى النقطة المحددة لها بالقرب من قناة السويس، انتظارًا للحظة الانطلاق.

فى يوم السادس من أكتوبر، وفى تمام الساعة العاشرة صباحًا، طلب قائد السرية من البطل وزملائه الاستعداد للتحرك، ووجههم ببدء الإبحار فى القناة وتنفيذ مهمتهم فور بدء عبور الطائرات إلى الجانب الشرقى. 

قبل بدء المعركة بدقائق قليلة لاحظ البطل وجود عدد كثيف من كبار الضباط، الذين بدأوا فى تشجيع المقاتلين والتحدث إليهم عن مسئوليتهم تجاه الوطن، ما لاحظ أن مجموعات من الضباط والجنود يتجهزون للصلاة فى خشوع، وعلم منهم أنهم يصلون ركعتين استعدادًا للشهادة، فصلى معهم. 

يصف العريف مقاتل عادل العاطفى هاتين الركعتين بقوله: «لم أصل فى حياتى كلها مثلهما، لأنهما سبقتا طلبنا للشهادة، التى ترفعنا لأسمى الدرجات والمنازل عند الله، عز وجل».

بعد الانتهاء من أداء الصلاة، وصلت الطائرات المصرية قناة السويس فى توقيت متزامن، رغم انطلاقها من مطارات مختلفة، وهى دلالة توضح القدرة الهائلة على التنسيق وحسن التخطيط لدى القوات الجوية، بقيادة اللواء طيار أركان حرب محمد حسنى مبارك.

فى ساعة الصفر المحددة لمجموعته، بدأت مهمة المقاتل عادل العاطفى، فى يوم النصر، وتحرك مع رفاقه الثمانية بمركبتهم البرمائية، وبدأوا الإبحار فى قناة السويس وسط رصاصات العدو، ودانات مدافعه.

يقول البطل: «فى تلك اللحظة لم نكن نفكر إلا فى نجاح المهام التى كلفنا بها، من أجل الانتصار، دون أى خشية للموت، وكنا نرى حولنا الأبطال الذين يقاتلون فى ميدان المعركة، وأبطال سلاح المهندسين، الذين يعملون على مد الكبارى، ويحملون مسئولية كبيرة على عاتقهم تمهد لعبور باقى القوات والمعدات، ولولاهم ما نجحنا فى إتمام العبور».

خلال دقائق معدودة سجلها التاريخ بأحرف من نور، نجح العريف مقاتل عادل العاطفى ومجموعته فى إتمام مهمتهم الأولى، ونقلوا الجزء الأول من الكوبرى إلى الضفة الشرقية للقناة ونجحوا فى تثبيته.

بعد ذلك، بدأت المهمة الثانية للبطل ومجموعته، وتمثلت فى نقل مضخات المياه التى سيجرى استخدامها لفتح الثغرات فى الساتر الترابى، الذى تجاوز ارتفاعه ٢٠ مترًا، حتى تستطيع القوات اقتحام تحصينات خط بارليف المنيع، الذى قال عنه بعض الخبراء العسكريين وقتها إنه يحتاج قنبلة ذرية لتحطيمه.

خلال مهامه الأولى التى استمرت ٣٠ دقيقة، بين الطلقات والقذائف، كان العريف مقاتل عادل العاطفى يتذكر مقولة قائده: «الرصاصة اللى هاتيجى فيك مكتوب عليها اسمك، عشان كده لازم تنفذ مهمتك يا عادل».

إتمام التنفيذ، كما يروى البطل، كان إيذانًا بتلقى تكليف جديد يتمثل فى نقل مزيد من الجنود والمعدات وسلالم الحبال إلى الضفة الأخرى عبر مركبته البرمائية، خاصة أن الكبارى كانت لا تزال تحت الإنشاء، واستمر ذلك حتى انتهى تنفيذ أول كوبرى لعبور القناة فى الثانية عشرة من ليل يوم النصر.

يؤكد العريف مقاتل عادل العاطفى أن عمليات نقل الجنود والمعدات عبر القناة لم تكن سهلة خاصة خلال الليل، فى ظل الإضاءة الخافتة للمركبات، وتسليط العدو نيرانه وإضاءته العالية على نقاط العبور، لكن بعون الله وإرادة المقاتلين الأبطال نجحت فى تجاوز ذلك، واستمر البطل يؤدى مهامه القتالية حتى وقف إطلاق النار. 

من بين دموعه، يؤكد البطل أن جيله من أبناء أكتوبر أخلصوا لهذا الوطن، وقدموا فى سبيله الغالى والنفيس، دون أن ينتظروا شيئًا إلا أن يروه عزيزًا وآمنًا مستقرًا.

ويوضح أن ما بذله مع رفاقه فى يوم النصر ظل نبراسًا يهديه ويضىء حياته ويعينه على مصاعبها، واستمد منه قوته فى محاربة مرض السرطان، الذى أصابه دون أن يهزمه أو يخضعه أو يدفعه لليأس، مطالبًا أبناء مصر بالحفاظ عليها والدفاع عنها كما فعل آباؤهم وأجدادهم من قبل.