رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استقالة الوزيرة الإثيوبية

احتفالًا بالسنة الإثيوبية الجديدة، التى بدأت فى ١١ سبتمبر الجارى، تمنّت فلسان عبدالله أحمد، وزيرة شئون المرأة والطفل والشباب، أن تفتح بلادها «صفحة جديدة مليئة بالسلام والاستقرار والعدالة والمساواة والنجاح والتقدم». وبعد مرور أسبوعين تقريبًا، تحديدًا أمس الأول الإثنين، أعلنت عن استقالتها من منصبها، لـ«أسباب شخصية»، قالت إنها تشكل عبئًا ثقيلًا على ضميرها، وأشارت إلى أن أى موقف يتعارض مع قناعاتها وقيمها، يُعد خيانة لنفسها ومواطنيها.

الوزيرة المستقيلة، التى هنأتها الرئيسة الإثيوبية، منذ أيام، على إدراجها على قائمة أكثر مائة امرأة تأثيرًا فى إفريقيا، كانت قد أقرت، فى فبراير الماضى، بوقوع جرائم اغتصاب «بشكل قاطع ودون شك» فى إقليم تيجراى، استنادًا إلى تقرير أعده فريق عمل أرسلته للتحقيق فى الإقليم، الذى يبلغ عدد سكانه حوالى ٦ ملايين نسمة. وأكدت، وقتها، أن فريق العمل أرسل هذا التقرير إلى المدعى العام، وأنها تركت للسلطات القضائية اتخاذ اللازم بشأنه. 

إقرار الوزيرة، أو تقرير فريقها، جاء بعد أن تحدث العديد من الشهود لوكالة أسوشيتد برس عن تورط جنود إثيوبيين وإريتريين فى تلك الجرائم. وسبقتهم براميلا باتين، ممثلة الأمم المتحدة، التى أكدت فى بيان، أن بعض النساء أُجبرن على ممارسة الجنس مقابل الحصول على سلع أساسية، وأشارت إلى زيادة الطلب على وسائل اختبار الأمراض المنقولة جنسيًا!.

بدأت المأساة فى ٤ نوفمبر الماضى، حين قام أبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، الحاصل على «جائزة نوبل للسلام»، بإرسال قواته للإطاحة بـ«الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى»، الحزب الحاكم إقليميًا، الذى كان يهيمن على الحياة السياسية فى إثيوبيا، لثلاثة عقود. ولو عدت إلى حساب فلسان أحمد على تويتر، ستجد أنها كتبت قبل ساعات من بدء العدوان: «قاتلوا إذا كان لا بد من ذلك، لكن قاتلوا بشرف، واستبعدوا النساء والأطفال وكبار السن والعجزة».

نصف ضمير الوزيرة الميت، إذن، لم يعترض على العدوان، لكن نصفه الحىّ اشترط القتال بشرف، لا تعرفه الحكومة الإثيوبية، أو قواتها، التى ارتكبت بمساعدة قوات من إريتريا، جرائم اغتصاب جماعى، ومذابح على الهوية: تطهير عرقى أو إبادة جماعية. كما جرى قطع الإنترنت والاتصالات عن الإقليم، حتى لا تصل تلك الممارسات إلى ما يوصف بـ«المجتمع الدولى»، لكنها وصلت، وصدرت بشأنها إدانات أممية أوروبية، وعقوبات أمريكية، وأمام أعضاء مجلس الأمن، توقّع مارك لوكوك، مساعد أمين عام الأمم المتحدة للشئون الإنسانية، أن يزداد الوضع سوءًا، ليس فقط فى تيجراى، ولكن فى إقليمى عفر وأمهرة أيضًا.

بعد سبعة أشهر تقريبًا من إعلان الحكومة الإثيوبية عن انتصارها المزعوم، تمكنت قوات «الجبهة الشعبية»، فى ٢٨ يونيو الماضى، من استعادة السيطرة على مدينة ميكيلى عاصمة الإقليم، واضطرت القوات الفيدرالية إلى الانسحاب، وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبى وقف إطلاق النار. لكنه استخدم لغة تحريضية، ضد عرقية التيجراى، من شأنها أن تخلق، أو خلقت بالفعل، موجات جديدة من العنف العرقى فى جميع أنحاء البلاد. والأهم هو أنه استمر فى منع وصول المساعدات الغذائية إلى الإقليم، ما أدى إلى أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم منذ عقود. ولم يلتفت إلى كل نداءات الوساطة الإفريقية أو الدولية، كما فعل، ولا يزال، بشأن قضية السد.

اليوم، تمر مائة يوم على تحذير الأمم المتحدة من تجاوز ٤٠٠ ألف شخص فى تيجراى «عتبة المجاعة»، وتأكيدها أن نحو ٥ ملايين، أى ٩٠٪ من سكان الإقليم، يحتاجون إلى مساعدات عاجلة. ومع ذلك، لا يزال منع وصول المساعدات مستمرًا، ولم تتوقف الحكومة الإثيوبية عن استخدام التجويع سلاحًا فى حربها على الشعب الإثيوبى، التى امتدت إلى أقاليم أخرى. وقطعًا، لن توقفها استقالة وزيرة، أو إدانات أممية وأوروبية شفهية، أو عقوبات أمريكية شكلية، لم تكن رادعة، بقدر ما كشفت عن ارتباك الدول، التى تحرّك الحكومة الإثيوبية أو تستعملها.