رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحت شعار «العيل مش بيجي برزقه».. نشطاء يدشنون صفحات على السوشيال ميديا لنشر فكرة «اللاإنجابية»

 اللاإنجابية
اللاإنجابية

انتشرت في الآونة الأخيرة العديد من الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، تشجع على  فكرة اللاإنجابية، فقد يبدو هذا المصطلح غريبًا على مسمع الكثيرين، غير أن الفكرة تدور حول "عدم إنجاب أطفال آخرين في هذا العالم حتى لا يشقوا فيها".

تلك الصفحات التي رفعت شعارًا بالتشجيع حول اللاإنجابية يتابعها عشرات الآلاف ممن يروا أن الفكرة مثالية لعد إنجاب أطفال جدد في هذا العالم، "الدستور" فتحت الباب للحديث حول تلك الفكرة الشائكة، ورصدت آراء لعدد من المؤيدين والمعارضين. 

في البداية، يقول محمود أبو الفضل، ٣٢ عاما، ويعمل كاتب إعلانات، إن الفكرة جاءته فكرة خام تماما أي حين كان عمره ٢٤ عامًا، لم يكن يعلم أن هناك فكرة اسمها لا إنجابية، موضحا أنه  قرار شخصي للغاية فهو لا يريد إنجاب أطفال، دون أبعاد فكرية أو فلسفية كما يعتقد البعض، وذلك نتيجة “كونهيرى” أن ذلك الأنسب لحياته.

وأضاف أنه لايريد أن ينجب أطفالا لعدة أسباب، والسبب الرئيسي والمحوري أن المعايير الأساسية التي تخص هذا الطفل القادم للحياة ليست أفضل حياة، وفكرة أن ينعم بتربية وتنشئة سوية  ليست متوفرة فيه، موضحا أنه شخص مزاجي بشكل كبير، وأيضا تفاصيل شخصيته بشكل عام لا تليق بأن يكون أب، بل من الممكن أن يكون موظفًا ناجحًا لكنه لا يستطيع أن يكون رب أسرة.

وأوضح أنه شخص لا يرضخ لضغوط العمل بشكل كبير، فالشعور بالقلق يراوده طوال الوقت حول تركه لعمله في أي لحظة لعدم ارتياحه به، وبالتالي بهذا الوضع في حالة وجود أطفال سيكون عليه ضغط مضاعف، ولابد أن يتحمل ضغوط الوظيفة، وضغط آخر أنه يستحيل ترك وظيفته بسبب المسؤوليات المادية تجاه أطفاله: "أريد ترك مساحة لنفسي دون أي قيود".

ونوه أنه بالطبع لاقتناعه بهذه الفكرة كان يتعرض في البداية لضغوط كبيرة ومرهقة من العائلة، ولكن حاليا  الضغوط خفية وليست واضحة أو عنيفة،وإنما يريدون دائما أن يناقشوه في الفكرة أو يرشحون له إحدى الزيجات، ومن ناحية أخرى يصل الأمر لتدخلهم بشكل جارح شخصيًا: "الضغوط ليست من الوالدين فقط بل من أشقائي أيضًا، كونهم يروا أنها مجرد أوهام  فربما أكون أبا جيدا ولكني أرى دائما أن الإنجاب مغامرة في منتهى الخطورة".

وأكمل: "الكثيرين يبررون فكرة الإنجاب بأنه عندما يتقدم الانسان في العمر سيحتاج أبناؤه بجانبه لمساعدته ورعايته، وهذا نموذج نفعي بحت وفي منتهى الأنانية، فالبعض يطلبون مني ألا أقول ذلك مجددا لأنه من الممكن أن يحرمني الله من هذه النعمة".

وأردف: "ليس لدي عاطفة الأبوة هذه،ولكن عندي عاطفة أخرى وهي العطف على الأطفال، فأنا أحب مساعدتهم دائمًا، ولكن فكرة الإنجاب نفسها لا تخطر على بالي مطلقا، ما أثر على حياتي العاطفية بشكل ملحوظ، بعد أن حاولت إقناع فتاة كنت مرتبطا بها، لكنها رفضت الفكرة بشدة، وسرعان ما تركتني، وليست هي الوحيدة التي تصرفت معي بهذا الشكل".

أشار أيضًا إلى نسبة الفتيات غير المقتنعات بفكرة اللاإنجابية، والتي تمثل نسبة قليلة للغاية، فالأمر يرهقه كثيرًا حين يبحث عن فتاة لاإنجابية، وفي ذات الوقت يكون هناك توافق بين شخصياتهما، فهناك بعض الفتيات لديهن ظروف صحية معينة تمنعهن من الإنجاب، وبالفعل وجد فتاة منهن وكان على وشك الارتباط بها، ولكن والدها رفض وطلب منها أن ترتبط برجل لديه مانع صحي يمنعه من الإنجاب، لأنه من الوارد أن يتغير فكره بعد الزواج ومن ثم يتركها ويتزوج بأخرى لإنجاب أطفال منها.

كانت مريم أحمد، البالغة من العمر ٣٤ عامًا، متزوجة من قبل وتعمل في مدرسة ابتدائية، ورغم عملها إلا أنها لم تحب الأطفال بصورة كبيرة، وكانت تسيطرة عليها فكرة أن العالم لا يحتاج إلى مزيد من الأطفال، خاصة وأن هناك أطفال من الممكن أن نتبناها، موضحة في حديثها مع "الدستور"، أنها ضد فكرة الإنجاب، ولكنها مع فكرة التبني منذ سنوات طويلة.

وقالت: "السبب الرئيسي لاقتناعي بفكرة اللاإنجابية هو أن هناك الكثير من الأطفال الموجودين بالفعل في الحياة، ومن الممكن أن نتبناهم، وبذلك ننقذ أرواحا بريئة، بالإضافة إلى أن العالم لديه قسوة غير طبيعية من حروب وأوبئة، فالإنجاب فكرة ليست لها قيمة في ظل ما يعانيه هذا العالم، خاصة وأنني لن أستطيع حماية أطفالي من ذلك الشر الذي يحيط كل مكان".

أضافت "مريم"، أن اللاإنجابية من وجهة نظرها هي عدم إنجاب أطفال، ولكن يجب أن نتبنى أطفال خاصة من المشردين في هذه الحياة، موجهة رسالتها إلى كل من يطالبها بإنجاب طفل في هذه الحياة وحمايته وتوفير له حياة كريمة: "من منا سعيد بحياته، ومن منا لم يمر بلحظات قاسية ووجع بقلبه، فلماذا ننجب أطفالا وفي النهاية سنموت جميعا".

تتعرض الفتاة في بعض الأحيان لضغوط من أهلها حتى تبعد عن هذه الفكرة، ولكنها مقتنعة بها للغاية، وكانت قد اتفقت على ذلك مع زوجها السابق، ومع مرور الوقت راودته فكرة الإنجاب: "لم يرغمني على تغيير وجهة نظري، وكان انفصالنا لأسباب غير متعلقة بفكرة الإنجاب",

وبالحديث مع المسؤول عن صفحة "لا إنجابي مصري"، الذي يبلغ عمره ٢٣ عامًا، ويدرس بكلية الطب، أوضح أنه يأخذ فكرة اللاإنجابية بشكل أكاديمي، وليس بصورة عاطفية فهو لم يصل إلى الفكرة بشكل ارتجالي، ولكنه درسها جيدا مثلما يدرس كل شيء ويحلله بطريقته.

وقال: "دائما ما أدخل في مناظرات ومناقشات مع المعارضين للفكرة، وأشعر طوال الوقت أنني الطرف الأقوى في المناقشة، وبذلك يتملكني إحساس السير على الطريق الصحيح، ومن هنا جاءتني فكرة هذه الصفحة على موقع فيس بوك لشرح فكرة اللاإنجابية من كل جوانبها".

أضاف:"السبب الذي جعلني أتبنى فكرة اللاإنجابية هو أننا نعيش في عالم مليء بالأسئلة التي ليست لها أي إجابات، وهل من حقه أن يفرض على ابنه دينه وثقافته ومستواه الأدبي والمادي أيضا، وماذا سيفعل إذا اقتنع ابنه بالأفكار المتطرفة على سبيل المثال،وكيف سيكون رد فعله".

"كل شخص يريد أن ينشر الفكرة التي يؤمن بها، ولكنه هدفي الأكبر حاليا هو أن أجمع كل الأشخاص الذين يفكرون بنفس الطريقة حتى لا يشعرون بالوحدة"، أكد الشاب أنه اتخذ قرار عدم الإنجاب منذ أن كان عمره ١٤ عاما، وقرر حينها أنه لن يتسبب في إنجاب أطفال يعيشون في معاناة كبيرة مثله، موضحا أنه كان قرارا عاطفيا في البداية، ولم يغيره مع الوقت، ولكنه صمم على موقفه، إيمانا منه بالفكرة.

أوضح أنه ارتبط مؤخرًا بإحدى الفتيات اللاإنجابيات، ما شجعه على استكمال فكرته التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي منذ 7 سنوات، وبالأخص الصفحات التي شجعت على ذلك خلال الآونة الأخيرة، موضحًا هدفه من نشر هذه الفكرة، وهو الوصول لهدف الفلسفة اللاإنجابية، ومنع المعاناة عن بعض الأبرياء الذين يأتون إلى هذا العالم المخيف.

وتابع: "معظم اللاإنجابيون يدعمون فكرة التبني، ومنهم من تبنى أطفال بالفعل، فهم يحاولون مساعدة أنفسهم قبل مساعدة الطفل الذين يتبنوه، للسيطرة على شعور الأبوة والأمومة"، مختتمًا حديثه بأن الدين ليس له علاقة بالأمر، ولكنه قرار شخصي.

ومن جانبه، قال الدكتور إبراهيم مجدي حسين، استشاري الطب النفسي، أن هناك أشخاص عندما يتخذون قرار يكون له مبرراته وأسبابه ودوافعه، وهناك شخص يقلد فهو من الممكن أن تعجبه الفكرة فيقلدها، ما يعرضه للشقاء طوال عمره، كونه غير مقتنعًا من الأساس بالفكرة.

وأضاف: "هناك من رأى والديه على خلاف، واضطروا لاستكمال حياتهم سويا رغما عنهم لوجود أطفال، ومنهم من يريد ألا يتحمل مسؤولية أطفال ولكن بنسبة كبيرة أن يكون تعرض لمعاناة في طفولته ووجد أن إنجاب الأطفال يمثل ضغطا نفسيا شديدا".

وأشار أيضًا إلى بعض الأسباب الأخرى:"سنجد بعض الفتيات اللاتي يريدن الحفاظ على رشاقتهن،فكل شخص منهم لديه دافع مختلف، وهناك أيضا فكرة سياسة القطيع، حين تظهر  فكرة  فيتبناها الآخرين ويقرروا الزواج فقط دون إنجاب".

“هذه الأفكار ليست سوية، وهدفها طمس هوية المجتمع، وذلك عكس طبيعة الحياة فالأساس هو استكمال الحياة، وأن الإنسان يكون له ذرية سواء مسلم أو مسيحي أو يهودي أو لا ديني حتي ومن يروج لهذه الفكرة غير السوية إما لديه رواسب نفسية أو تابع لأشخاص آخرين”، بحسب الطبيب.

أكد الطبيب أن من حق أي شخص اتخاذ قرار عدم الإنجاب، لكن ليس من حقه أن يروج للفكرة ويقنع الناس بها، فهي فكرة غير سوية، وإذا كان الشخص يقتنع بالفكرة ومتقبل نفسه فهو حر في أفكاره، ولكن ليس من حقه أن ينشرها وسط المجتمع او يجبر أحد عليها.

وتابع "حسين" أنه ليس ضد صاحب الفكرة ولكنه ضد ترويجها كونه أمر غير محمود العواقب، مشيرًا إلى أن أصحاب الفكرة ليسوا مرضى نفسيين، ولكن ربما لديهم خلل في التفكير أو بعض أنماط الشخصية الفصامية، وغالبًا ما يُوصف الأشخاص المُصابون باضطراب الشخصية الفصامية بأنهم غريبو الأطوار، ولديهم القليل من العلاقات الوثيقة عادةً، فهم لا يفهمون كيف تتشكَّل العلاقات أو كيف يؤثر سلوكهم على الآخرين، وقد يسيئون فهم دوافع الآخرين وسلوكياتهم.

ومن الجانب الديني، تواصلنا مع الشيخ ياسر سلمي، الباحث الأزهري، الذي صرح في حديثه لـ"الدستور"، بتعليقه فيما يخص قضية اللاإنجابية: "أولا الشريعة الاسلامية تقوم على حرية الاختيار وعدم الإجبار والإنسان في الشريعة الإسلامية غير مجبر على الزواج وغير مجبر على الإنجاب، لأن الإنسان في الحياة الدنيا مكلف أي الله سيحاسبه على أفعاله، والتكليف قائم على الحرية والإرادة والاختيار".

أوضح أن فكرة الإنجاب من الأساس معتمدة على فكرة الزواج، والزواج مقدمة والإنجاب نتيجة، فالزواج نفسه ليس مجبر على الإنسان، ويجوز الامتناع عنه، قد يكون هذا الامتناع مباح وقد يكون محرما وهذا يتوقف على النية فمن الممكن ألا يتزوج لأنه مشغول للغاية ولا يوجد لديه وقت حتى لايهمل زوجته أو ابنائه فهو بذلك لا يحارب الدين،مشيرًا إلى بعض الأئمة الكبار الذين لم يتزوجوا لكثرة انشغالهم بعملهم.

أضاف الباحث الأزهري: "إذا كان قرار عدم الزواج وعدم الإنجاب قرار فردي فهو حرية واختيار، وليس به أي مشكلة، أما إذا كان قرارا جماعيا ويحاربون الفكرة ويسخرون منها ويتحدثون عن السلبيات حتى يكره البنات والشباب فكرة الزواج والإنجاب، فهو بذلك وقع في الإثم، وهذا عدوان على الشريعة، واعتراض واضح على قضاء الله وعلى فكرة التناسل والتكاثر".

وأوضح: "يقول الإمام أبو حامد الغزالي أن المرأة من حقها شرعا أن تشترط على زوجها عدم الإنجاب، لأن الإنجاب سيؤدي الى إفساد الجسم، ومن حقها شرعا أن تشترط على الذي تتزوجه ألا تنجب، وأنها ستتزوج فقط للمتعة الجنسية، وهذا يعني أن الإسلام مع حرية الاختيار، وليس لديه إشكالية مع عدم الإنجاب، ولكن بشرط ألا تتحول هذه الحرية الشخصية الفردية إلى فكرة جماعية، وتحارب فكرة الإنجاب.

ونوه إلى أن فكرة اللاإنجابية معادية للإنسانية، فإذا تخيلنا أن والد الكاتب نجيب محفوظ لا إنجابي أو إذا كان والد أم كلثوم لا إنجابي، وإذا كان والد أحمد زويل لا إنجابي، فالعالم كان سيُحرم من كل هؤلاء المبدعين والمخترعين والعلماء والأدباء.