رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طارق إمام: لو شغلت نفسي بالمقارنة بماركيز ما خرجت بـ«طعم النوم» (حوار)

 طارق إمام
طارق إمام

«حذّرني السائق: حذار، ففي هذا البيت يقتلون، وأجبته ليس مهمًا.. إذا كان القتل بدافع الحب»، تلك الجملة على لسان أحد أبطال طعم النوم وأنا بدورى حذرت نفسي، من غوايات قراءة طعم النوم فأنا أعلم أن طارق أمام المولع بالتجريب فى رواياته سيروّض وقتى ويجعلنى منفيًا بين عوالم روايته الأثيرة، لكن ليس مهما إذا كانت روايته تستحق وأكثر، فصرت أدهش لبطلته عاملة المصنع التى تأكل الأزرار، فرحت أكل حروف الرواية، حتى فرغت منها.

طارق أمام يقدم لنا وجبة دسمة من المتعة والعوالم الغرائبية التى يُحاكى فيها، 50 سنة مضت من تاريخ مصر انتهاءً بـ يناير، ويبدو أن الثورة كان لها أكبر الأثر في وجدان طارق إمام فكتب روايته الحلم "ماكيت القاهرة" ليجرب مرة أخرى الأحلام، لكن للمستقبل الذي لم يتغير كثيرًا في وعي أبطال روايته.

كان التكرار هو البطل والطريق في "ماكيت القاهرة" الفكرة التي ذهب طارق ليؤكدها في هذا الحوار، سنجد الروائي الشاب كطير جديد لم يفسده الهواء فى شريعة القطة، وبهدوء القتلة يكتب خطابات سرية فى مدينة الحوائط اللانهائية عن رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها، وبتوقيت القاهرة صار متجاوزًا قدر الدهشة فى طعم النوم وماكيت القاهرة.

هذا هو طارق أمام عن معنى أن تكون كاتبًا عن مشاريعه المؤجلة عن ماركيز وكاوباتا عن الثقافة وفوضى الأحكام المسبقة.

 

طعم النوم by طارق إمام
روائية طعم النوم

◘ معارضة روائية
- ما الذي حرضك ودفعك لكتابة رواية مبينة على المعارضة الروائية؟
• أنا أكتب معارضة روائية «طعم النوم» كنت على يقين أنني أدخل على أكثر من معنى للرعب والقلق، فمعنى أن تقدم على معارضة روائية لنموذجين من كبار وأهم وأبرز روائي العالم «ماركيز وكاوباتا» ولنص شغل الدنيا، وترجمت لكل لغات العالم، فأنت أمام رعب مركب.

وما يزيد الرعب والقلق، ويجعل منه سلاح سلبي ضد المضي في طريق الكتابة، هو أن مشهدنا الثقافي العربي، ليس لديه ما يمكن أن نسميه «فوبيا الشرق الإبداعية»، قليلون من يتفهمون أن الأدب يكتبه الأدب وروافده الواقع إلى جانب الخيال، ومعه ذاكرة النص الأدبي، ورغم أنني لا أخفي فكرة المعارضة، وجاءت معلنة عبر غلاف الرواية، إلا أن الفكرة ذاتها مخيفة على عدة مستويات، أولها فكرة المقارنة بين اثنين من سحرة الرواية العالمية، وثانيها فكرة المقارنة والمقاربة بين نصي القائم على المعارضة، والنص الأصلي الذي في العادة يأتي بحكم مسبق على رواية «طعم النوم».

- ما الذي حرضك على كتابة طعم النوم.. رغم الأجواء المسبقة التي تبدو سلبية في المضي للكتابة؟
• إحساسي أن هذه النص الذي كتب مرتين «كاواباتا، وماركيز» لم ينتهي بعد، ما يزال هناك مساحة فائضة وهي تخضني، «حكايتي الخاصة من داخل الحكاية القديمة»، شعرت أنها تنادي ألف ليلة وليلة، إلى جانب ذلك ثمة لحظة تاريخية عشتها بتفاصيلها «لحظة فض اعتصام رابعة»، ولحظة لم أعشها هى نكسة 67، إنها رواية حكاية لمدينة أعرفها، وشخص أعرفه.

- أكنت مشغولاً باسمي ماركيز وكاواباتا وتسعى لارتباط اسمك بهما عبر الرجوع إلى النص الأصلي؟
• لو شغلني الأمر بهذا الشكل لحظة واحدة، لما استطعت المضي في كتابة الرواية، لأن الأمر جد مخيف، والحقيقة أنا أتعجب كيف أنهيت تلك الرواية، وكلما رجعت إليها أسال نفسي كيف كتبتها، هذا الأمر نادر ما يحدث معي، لكنه حدث مع رواية «طعم النوم».

- من طعم النوم إلى رواية ماكيت القاهرة تبدو المسافة قريبة جدا بين ظهور الروايتان.. كيف حدث هذا؟
لا بالعكس، فهناك مسافة بين كتابة الروايتان -أقصد هنا الوقت- بدأت في رواية ماكيت القاهرة عقب الثورة مباشرة، وستستغرب إذا قلت لك، أنني كتبت فيها 50 ألف كلمة، ومن ثم اضطررت إلى حذفها، دائما كنت أقول لنفسي إن هذه الرواية لن تكتب أبدا، فقد بدأت بفقرة عبر صفحات التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، كتبت «كان طفلا صبيا قتل والده بالطريقة التالية رفع مسدسا لجبهة أطلق دويا من فمه بمب».

ظللت أشعر أن هذا المقطع، هو بداية ومدخل لرواية جديدة، قدمت فى خلال تلك الفترة، أكثر من عمل، منها «طعم النوم، ومدينة الحوائط اللانهائية»، وكنت طوال هذه الفترة، يلازمني أن لم أقبض بعد على تلك اللحظة، التى تستدعي فيها الكتابة، أنني أمام لحظة سائلة، تتجدد بمرورالوقت، لحظة متعلقة بالثورة.

وكلما اعتقدت ان تلك اللحظة انتهت، وجدت أن ثمة امتدادات مثيرة لتلك اللحظة، إلى جانب أن ثمة جديد يفاجئني، لذلك ستجد أن عام 2020، هو الزمن المحوري فيها، الذي قررت أن أبدا منه كونه العام الذي أعيشه فعلا، رواية «ماكيت القاهرة» أصعب رواية كتبتها في حياتي.

ماكيت القاهرة" رواية جديدة للكاتب طارق إمام - بوابة الأهرام

- تبدو رواية «ماكيت القاهرة» بمثابة رواية الأزمنة المتداخلة وقراءة لمستقبل القاهرة في 2045؟
• هناك 4 أزمنة دارت فيها الرواية، من 2011 و2020 و2045 وزمن آخر غير معلوم، كانت تصوراتي فيها قدر من القتامة، والأكثر دقة هو أنني ذهبت للتأكيد على فكرة التكرار أن ثمة لا جديد، وذلك عبر البطل الذي يعيش في عام 2045، والمولود في عام 2020، يقول أنه كان متصور أنه سيعيش في 2045 يشهد الأطباق الفضائية، حروب كونية، وسيكتشف أن لا شيء تغير، وهذه كانت تصورات جيلنا، فكرة أن هذه التصورات موجودة ولم تتغير، أننا في واقع لا يحمل أي طفرات.

وما أؤكد عليه دائما، أن «ماكيت القاهرة» ليست رواية ديستوبيا كما يشير البعض، فهي لا تقوم على أنها مدينة حروب في المستقبل، إنما تقوم على فكرة محورية، ماذا لو كرر المكان والتاريخ والأشخاص أنفسهم.


هل رسمت خريطة روائية للقاهرة 2045؟

أنا بدأت من فرضية عام 2045 اصبحت القاهرة العاصمة السابقة لمصر ، والتى سوف يتم تجريده فعليا من كونها العاصمة لتكون مدينة أخرى.

كفافيس" ومدينته بين روايتين.. احتفالية فى يوم اللغة اليونانية بالإسكندرية -  اليوم السابع

- دائمًا هناك في طاولة مكتبي عمل جديد شخوصه تطاردني هذا ما صرحت به لنا ماذا عن المخبوء في طاولة مكتبك من أعمال؟

• لدى 3 أعمال إلى الآن تنتظر استكمالهم، دائمًا هناك مشاريع روائية تحرضني وتستفزني لكتابتها، هذه المرة  أمامي رواية عن اونجاريتي هو من ضمن المشاريع المؤجلة، لكن الحقيقة التى أريد التأكيد عليها أن “ماكيت القاهرة” رواية حلم كبير، هى أطول نص كتبته في حياتي الروائية.

- حدثتا عن المسافة بين رواية أونجاريتي والتى تعد قيد الكتابة وكفافيس التى صدرت خاصة أن كلا العملين لشاعرين عاشا في الإسكندرية؟

• ثمة نقاط تشابه بين الروايتين في تقديري أن يكون هناك طبعة جديدة من كفافيس في حالة صدور اونجاريتي خاصة أن ما يجمع الشاعرين أنهما أبناء لمدينة واحدة، كلاهما شاعر ونخبوي، الفرد في المدينتين نصف مصري ونصف أجنبي شخص مرتبك يواجه ارتباك المدينة وهويته كمدينة مصرية هذه تشابهات يجب القبض عليها.

الرواية مبينة على أيام اونجاريتي الأخيرة عبر اونجاريتي اكشف الأسكندرية ، كلا الروايتان يكملوا بعض للتاريخ تلك الفترة  من تاريخ الأسكندرية وتحولها من مدينة كوزموبالتية إلى تحولها الكبير  حتى اللحظة الراهنة.
ثمة اختلافات في الشخصيتين وتبدو جوهرية ومنها ان  أونجاريتي كان يجيد العربية،  وكتب عن مصرعلى عكس كفافيس الذي يمكن التاكيد على انه يوناني يعيش في مصر إلى جانب ذلك الاختلاف الطبقي  فكفافيس ابن الطبقة الحاكمة أو بمعنى أدق ولاءة كله للطبقة الحاكمة ابن النخبة، على عكس اونجاريتي ابن طبقة البوليتاريا ، والدته تعمل في فرن ووالده يموت في اعمال السخرة بقناة السويس.

- البعض يرى ان طارق إمام كاتب نخبوي في الأساس، ويرنوا لى التجريب في معظم اعماله  كيف ترى هذا؟
• أرى أن الكاتب الذي ليس لديه رغبة في التجريب لا يكتب، تاريخ الأدب ملئ بالأعمال العظيمة، وان تكتب تعنى ان تجرب، وأن تجرب معناها أن تخوض الخطر، وهذا يأخذنا  إلى  التأكيد على معنى ان الكتابة مغامرة .
واذا لم تكن الكتابة مغامرة لماذا نكتب فهناك العديد من الأعمال العظيمة التى يجب ان نقرأها، لايمكن لوم كاتب على اختياره لشريحة أبطال شخصياته ، لايمكن الوم نجيب محفوظ على انه كاتب الطبقة الوسطي، وأنا اكتب من الزاوية التي أري  العالم من خلالها ، تاريخ الأدب المصري مليان بأعمال عن الطبقة الوسطي والفلاحين، ونادرا ما نجد من بينهم من يحمل سؤال المثقف وإذا كان البعض يري اننى نخبوي وتجريبي فهذه تهمة لا أنفيها وأؤكد أن أبطال أعمالي من النخبة وأعمالي لها قاعدة جماهيرية، والعديد منها دخل قائمة البيست سيللر.

أقصد أن التجريب لم يحيل يوما بين الكاتب وبين أن تكون له قاعدة عريضة من جمهور القراء، وأؤكد أن هناك قوى ما تثقف دائمًا ضد ما يمكن أن نتفق عليه بأنه أدب رفيع، لصالح تسييد الأدب الشعبي، فنموذج أحمد خالد توفيق قائم وأنموذج نجيب محفوظ قائم والفرق بينهم كبير.

 

السؤال ماذا تريد من الأدب؟ الأدب العظيم في رأيي هو ذلك الأدب الذي يقرأ روح تعقيد الوجود.

- تلعب دورًا كبيرًا فى مصائر وحيوات العديد من الشخصيات فى حكاياتك برأيك هل نحن أبناء أقدارنا أم اختيارنا الحر؟
• نحن أبناء جميع المتناقضات، أبناء ما نعتقد فيه وما لا نصدقه، أبناء ما نعتنقه وما نكفر به بنفس القوة، طالما أن لا يقين ولا وجود لحقيقة تزيح الأخرى. نحن أبناء اختيارنا بقدر ما نحن أبناء القدر، كم مرة أطاح القدر بالاختيار؟ وكم مرة انتصر الاختيار على القدر؟ إنها مباراة تبادل فيها الخصمان الفوز ولم يربحها أحدهما أبداً بضربةٍ قاضية. 

الصدفة ليست فقط «الميلودراما» التى نعرفها فى أدبيات الفن الاستهلاكى أو التجارى الرخيص، الصدفة هى العبث، اللا معقول، الهشاشة التى تصبح مصيراً. الصدفة هى قدرٌ من الارتجال، من غياب المنطق فى عالم لا يحكمه المنطق بالفعل، النسل الذى جاء للعالم منذ الخليقة جاء من ملايين المصادفات التى جمعت رجالاً بنساء، فلماذا ننكرها حين يلتفت لها الفن؟