رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رؤية إخراجية مبتكرة تعيد «أحدب نوتردام» إلى المسرح المصرى

أحدب نوتردام في رؤية
"أحدب نوتردام" في رؤية جديدة للمخرج ناصر عبد المنعم

تظل الأعمال الأدبية الكلاسيكية معينًا ثريّا يمكن النهل منه مهما تعاقبت السنوات وتغيرت الأزمنة، لاسيّما إن كانت تلك الأعمال تحوي أبعادًا إنسانيّة عميقة تمس الإنسان في كل زمان ومكان، من هذا المُنطلق يكتسب العرض المسرحي "أحدب نوتردام" للمخرج ناصر عبد المنعم، الذي يُعرض حاليًا على خشبة مسرح الطليعة بالعتبة، أهميته ومشروعيته. 

تعد رواية "أحدب نوتردام" من أبرز أعمال الكاتب الفرنسي فيكتور هوجو، وفيها تدور معظم الأحداث بكاتدرائية نوتردام بباريس، ويعكس هوجو من خلالها مواقفه الرافضة والمناهضة للظلم والقبح وخاصة ذلك الذي يتخفى وراء أقنعة تحجب آثاره البغيضة، فمن خلال شخصية الأحدب يُبرز هوجو تلك المفارقة الكامنة وراء وجوه جميلة ومظاهر وديعة لكنها مكتظة بقبح داخلي يجعلها تُقدِم على ظلم الآخر دون أن يمس ضميرهم أي شعور بالذنب. 

التقط العرض المسرحي، الذي أخرجه ناصر عبد المنعم، فلسفة العمل الروائي وفكرته وأعاد تقديمه على المسرح بعناصر فنيّة جذابة، كانت الاستعراضات التي صممتها كريمة بدير، وأشعار طارق علي، وموسيقى وألحان كريم عرفة من أبرز العناصر التي أضفت على العرض حيويته وكثفت من المعاني المتناثرة في النص الروائي الخالد. 

“أحدب نوتردام” على مسرح “الطليعة”

يصور العرض قصة الأحدب كوازيمودو وهو شخص قبيح المظهر ولد لعائلة غجرية وعاش مع القس في كنيسة نوتردام الذي دربه ليكون قارع الأجراس في كنيسة نوتردام، ما جعله يفقد سمعه لكنه في المقابل يجيد فهم المتحدثين عبر قراءة شفاههم، وفي احتفال المجانين يخرج كوازيمودو إلى الاحتفال فيواجهه القس بالتعنيف، ويلتقي الفتاة الغجرية الجميلة إزميرالدا للمرة الأولى والتي كانت محط إعجاب جميع الحاضرين، بمن فيهم الأحدب. 

يحال الأحدب إلى المحاكمة، وبينما يتعرض للتعذيب والاستهزاء ويتوسل للحصول على رشفة مياه لا يعيره أحد انتباه سوى أزميرالدا التي تقدمها له وتعطف عليه، ما يجعله يُكِن لها عميق مشاعر الامتنان وينقذ حياتها وقتما تخلي الجميع عنها وبعدما ظهر قبح أعماق المحيطين الذين يظهرون مظاهر الورع والتقوى بينما هم يجيدون إذلال كل من تتعارض مصالحهم معهم.

يبدأ العرض بفلاش باك يُسترجع فيه مآل أزميرالدا الفتاة الفاتنة والأحدب كوازيمودو الذي وقع في حبها ولم يتوان عن التضحية بحياته في سبيل إنقاذ حياتها، وقد كان للإضاءة على خشبة المسرح دورًا في عكس الأجواء ما بين شجن وحزن وخوف تارة وبهجة يعلو صداها في الاحتفالات والاستعراضات تارة أخرى.

يستعرض العرض المسرحي أبرز فصول الرواية وأكثرها تأثيرًا في مسار الأحداث، ورغم التراجيديا المهيمنة على الرواية فإن العرض حاول أن يجري نمطًا من الموازنة بين قصة العمل الأصلي والتناول المسرحي القادر على اجتذاب المشاهدين عبر لقطات من كوميديا الموقف التي وظفت باقتصاد منحها أهميتها في العرض. 

نمطٌ آخر من التوازن استطاع العرض أن يحقق النجاح من خلاله هو الإبقاء على أجواء النص ممثلة في ديكور حمدي عطية وأزياء نعيمة عجمي، إذ من خلالهما جرى تصوير كنيسة نوتردام الباريسية والملابس الكلاسيكية المعبرة عن تلك الفترة، وفي الآن ذاته ربط المشاهد بحقبة مضت وأجواء لا ينتمي إليها عبر الاستعراضات والأشعار التي قدمت فلسفة العمل وأفكاره في إطار سلس وشيق. 

ومن التحديات التي نجح العرض في التغلب عليها شخصية الأحدب بكل تعقيداته الداخلية والخارجية؛ فإن كان النص قد عكس براعة هوجو في تصوير شخصية ينفر الجميع منها بسبب عاهتها وتشوهات وجهها ومظهرها القبيح وفي الآن ذاته يبرز جمال روحه وأعماقه الإنسانية، فإن العرض، وعبر تضافر جهد مؤدي الدور مع الماكيير الذي أجاد تصوير تشوه وقبح الشكل، قد نجح في تحقيق المرام ذاته في العرض المسرحي.