رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى ميلاده.. الأسباب التي دفعت «ليو تولستوي» إلى ترجمة الأحاديث النبوية

تولستوي
تولستوي

وصفه الكاتب الروائي مصطفي نصر، بأنه أعظم عباقرة روسيا٬ في كتابه "حكايات زواج العباقرة والمشاهير" الصادر عن دار المصرية اللبنانية، وتحديدا اللحظات الأخيرة في حياة ليو تولستوي وإصرار، زوجته "صوفيا إنديافنا" على صلفها وسلطويتها.

ويقول: “هل كنت أتركه ليوزع أملاكنا كما يشاء٬ لو فعلت هذا٬ كنتم ستصفقون لي.. لكن هل سيعيد التصفيق أرضي وأرض أولادي ؟، اقترب أندريا منها٬ ذهب بها بعيدا وهو يقول: أرجوك يا سيدتي٬ فالكونت في النزع الأخير”.

وتحل اليوم الذكري الثالثة والتسعين بعد المائة علي ميلاد ليو تولستوي، عملاق الأدب الروسي، وواحد من أعظم الكتاب العالميين في الأدب الإنساني، وصاحب أروع الروايات العالمية: الحرب والسلام، آنا كارنينا، موت إيفان إيليتش، الحاج مراد، الحاج مراد، حكم النبي محمد، وغيرها من عيون تراث الأدب العالمي الإنساني الكلاسيكي.

وضع تولستوي، أفكاره ومبادئه تحت الاختبار والذي اجتازه بنجاح منقطع النظير، فحبه للفقراء والمساكين وعطفه عليهم كان ترجمة عملية لما نادي به من أفكار ومبادئ دعا إليها، فقبل وفاته بأعوام وزع ما يمتلكه من أراض زراعية علي سكان ضيعته في الريف الروسي، وقتها كانت روسيا تعتمد نظرية "الأرض وما عليها" ملكا لصاحبها حتي بما فيها من بشر يكدحون يكونون ملكا لصاحب الأرض.

وتكشف المراسلات التي جرت بين الإصلاحي المصري"محمد عبده" والروائي الروسي ليو تولستوي، والتي ترجمها الكاتب المترجم الراحل بشير السباعي عن الفرنسية٬ حالة التسامح الفكري والديني التي كان يتمتع بها تولستوي.

وقتها كان محمد عبده يشغل منصب مفتي الديار المصرية، وفي رسالته يقول عبده: “أيها الحكيم الجليل مسيو (تولستوي)، لم نحظ بمعرفة شخصك، ولكننا لم نحرم التعارف بروحك، سطع علينا نور من أفكارك، وأشرقت في آفاقنا شموس العقلاء ونفسك، هداك الله إلى معرفة الفطرة التي فطر الناس عليها، ووفقك إلى الغاية التي هدى البشر إليها، فأدركت أن الإنسان جاء إلى هذا الوجود لينبت بالعلم ويثمر بالعمل، ولأن تكون ثمرته تعبأ ترتاح به نفسه، وسعيا يبقى ويرقى بها جنسه”.

وأضاف: “شعرت بالشقاء الذي نزل بالناس لما انحرفوا عن سنة الفطرة، استعملوا قواهم التي لم يمنحوها ليسعدوا بها فيما كدر راحتهم، وزعزع طمأنينتهم، نظرت نظرة في الدين، فرقت حجب التقاليد، وصلت بها إلى حقيقة التوحيد ورفعت صوتك تدعو الناس إلى ماهداك الله إليه، وتقدمت أمامهم بالعمل لتحمل نفوسهم عليه”.

وتابع عبده: “فكما كنت بقومك هاديًا للعقول، كنت بعلمك حاثًا للعزائم والهمم، وكما كانت آراؤك ضياء يهتدي به الضالون، كان مثالك في العمل إمامًا اهتدى به المسترشدون، وكما كان وجود توبيخًا من الله للأغنياء، كان مدادًا من عنايته للفقراء، هذا وأن نفوسنا لشيقة إلى مايتجدد من آثار قلمك، فيما تستقبل من أيام عمرك والسلام”.

بدوره، رد تولستوي بخطاب ترجمه السباعي جاء فيه: “الصديق العزيز.. تلقيت رسالتكم الكريمة التي أسرفتْ في الثناء عليَّ، وها أنا ذا أسارع إلى الرد عليها لكي أؤكد لكم أنها أدخلت على قلبي مسرّة عظيمة إذ وصلتني بشخص مستنير، وإن كان ينتمي إلى ديانة غير الديانة التي ولدتً ونُشّئتُ عليها، لأن الديانات مختلفة والكثير منها متوافر، بينما الإيمان واحد وحيد، هو الإيمان الحقيقي”.

وأضاف: “آملُ ألّا أكون مخطئًا، في افتراضي، استنادًا إلى رسالتكم، أن الإيمان الذي أُشهرهُ هو الإيمان نفسه الذي تُشهرونهُ، وقوامه الاعتراف بالله وناموسه، في محبة الجارو معاملة الجار بما نحب أن يعاملنا به. وأعتقدُ أن كل المباديء الدينية الصادقة تنبع من هذا وأنها كلها واحدة عند اليهود والبراهمانيين والبوذيين والمسيحيين والمحمديين، وأعتقدُ أنه كلما كانت الديانات متخمةً بالعقائد الجامدة وقواعد السلوك والأعاجيب والخرافات، فرّقت بين الناس بل أدت إلى العداوة، وعلى العكس من ذلك، كلما كانت بسيطة ونقيةً، ازدادت قربًا من بلوغ المثل الأعلى للإنسانية، ألا وهو وحدة الجميع، وهذا هو السبب في أن رسالتكم أسعدتني سعادة بالغة، والرغبة تحدوني في مواصلة التواصل معكم، ما رأيكم في تعاليم البابي بهاء الله وأتباعه؟”.

واختتم  تولستوي خطابه إلى عبده: “تقبّلوا، عزيزي المفتي محمد عبده، تأكيدي على مؤازرة صديقكم ليون تولستوي 13 مايو 1904”.

ووصف السباعي "تولستوي" في رده على محمد عبده بأنه "رائد لتحديث الخطاب الإسلامي"، قائلا: “ده واضح من رسالته الجوابية إلى الشيخ محمد عبده، لأن الرسالة دي تشدّد على نبذ المعتقدات الجامدة والخرافات وتركّز على وحدة الإنسانية والتعايش بين أصحاب الديانات المختلفة”.

واعتمد “تولستوي” على مختارات من الأحاديث المنسوبة إلى نبي الإسلام “من اختيار عبد الله السهروردي”، ونشرها بالروسية لأنها، بحسب تعبيره، مفيدة في تربية “أبناء الفلّاحين”.