رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

موسم الهجوم على نجيب محفوظ!

جاء اليوم الذي نتكلم فيه عن الأديب العظيم نجيب محفوظ من زاوية دفاعية، وقد كان على الدوام رأس حربتنا، وفخرنا الذي لا نتصور أنه سيكلفنا مثل هذا العناء المستغرب، في الحقيقة هو لا يكلفنا إلا المحبة والاحترام، وهذه كلفة نفضلها، إلا أن آخرين هم من يكلفوننا عناء الدفاع عن مرماه، وقد قصدت بالعناء مشقة تخيلنا أنه متهم؛ لأنه أرق من معنى الاتهام، ولأنه بريء تاريخي بتسامحه النادر المعروف.
ما الذي جرى؟.. في الذكرى الخامسة عشرة لوفاة السيد النجيب المحفوظ (30 أغسطس 2021) بدا وكأن شيئا عدوانيا أعد ضده؛ فظهرت كتابات تهاجم أدبه بعنف، مستهدفة شخصه من وراء الهجوم، مرادها كسر أيقونته الروائية، وربما تجريف الوطن من رموزه!
لنتفق أولا على أن الأدب ليس مقدسا أيا كان كاتبه، وأن النقد الأدبي حق مكفول لمن يجيده ويقدر على شروطه (عملية تحليلية للنص الأدبي، دقيقة وشاملة، لها مدارسها ونظرياتها، والواجب أن تتحلى بالموضوعية وتخلو من الهوى الشخصي، تخلص إلى نتائج في صالح المبدع أو ضده، بتقييم إبداعه سلبا أو إيجابا)
بدأ المختلفون مع أدب الأستاذ، صاحب نوبل، يقدمون قراءات في أعماله، على صفحاتهم في السوشيال ميديا وفي بعض المواقع، قراءات انطباعية، لا تكفي للحكم بمنتهى الأمانة، فليست ترقى إلى النقد الصحيح بالصورة التي سبق وبيناها، وإنما تفتقر إلى شروطه العلمية في الصميم، ومن خلالها قدموا خلاصات مناهضة للأدب الخاضع للقراءة النقدية المظنونة، كان هذا هو المطلوب فيما يبدو، بل ظهر أن المطلوب نزول نجيب محفوظ درجات ليصعد "فلان" الذي ينتمي إلى جيل لاحق بعيد مكانه، مع أن الأجيال المتعاقبة تتجاوز بعضها بسلاسة منطق التطور، وبدون حاجة إلى دهس وتخطيط ماكر!!
في الحقيقة كانت العملية صادمة وسخيفة، ولم تكن نقدا أدبيا قيما نعرفه بالمرة، كانت استعراضا محضا وحطا عمديا من مكانة مبدع له اعتباره في عين العالم، ولو كان كلام المختلفين مع أدبه نقدا، بالتعريف الأكاديمي للنقد، وكان نائيا عن الغرض الظاهر؛ إذن لاحترمنا جهودهم، حتى لو كنا بقينا مقتنعين بجدارة الأستاذ، لأن الذائقة ليست واحدة ولكن متعددة!
تخلل الأمر حديث عن "إسلامية محفوظ"، ويا للعجب، فهو التقدمي الليبرالي الذي كرهه الإسلاميون التنظيميون فوق ما كرهوا سواه، بل حاولوا تصفيته في واقعة قديمة ذائعة مؤسفة، وتخلله حديث آخر عن ميله إلى السلطة، وقد كان موقعه على يسارها ثابتا، بالإضافة إلى أحاديث مرسلة عن تقليديته وفراغ وعائه من التجديد، في حين أن كتابته غايرت التمسك بالقديم والتقيد بالعرف والعادة، ويسهل حسم ذلك، كما زخرت بمحاولات البناء الشاهق على ما كان سبقها بمجالها.. الهجوم جار بضراوة حتى الساعة؛ ترى ماذا يدور بخلد هؤلاء الصغار المرجفين؟!