رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

علي جمعة: تصحيح البدايات يؤذن بتصحيح النهايات

 الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن تصحيح البدايات يؤذن بتصحيح النهايات، والخطوة الأولىٰ في قسم البدايات هي اليقظة وهذا يعني: «قم من غفلتك يا غافل»، حيث لا يستطيع أحدٌ أن يخاطبك ويهز وجدانك إلا إذا استيقظت، لأن خطاب الميت أو خطاب النائم لا فائدة فيه، ولذلك سماه أهل الأصول «خطاب المُحَال»، يعني هناك حائل بيننا وبينه، ومحال أي مستحيل أن يستجيب النائم والمغمىٰ عليه والمجنون والصبي الصغير إذا ما خاطبته وقلت له مثلًا: قم فَصَلِّ، فأول شيء: اليقظة، فإذا لم تتيقظ وظلت الدنيا جالسة في قلبك ومتربعة علىٰ عرشه، وآخذة بوجدانك وعقلك وتصرفاتك كلها، فلا فائدة في هذا الكلام الذي سوف يتلوه عليك فيما بعد.

وأضاف: “لا بد من اليقظة؛ فمن تيقظ فبها ونعمت، ومن لم يتيقظ فلا فائدة فيه البتة، فتصحيح البدايات يؤذن بتصحيح النهايات، فلا بد أن تبدأ بداية صحيحة حتىٰ لا تبكي بعد ذلك وتقول: أنا أذكر ولا فائدة. أنا أذكر ولا أجد لذة الذكر. أنا أذكر وما زلت أفعل المعصية. أنت لا تريد أن تتيقظ”. 

 

وتابع: “كيف تتيقظ؟ اعلم الحقيقة.. افهم أن الدنيا إلىٰ فناء، ولا يكفي أن تعلم أن هناك موتًا، ولا يكفي أن تعلم أن الموت حق آتٍ فكل الناس يعلم هذه الحقيقة، المؤمن والكافر، إنما يجب أن تعيش هذا، يعني أن تكون مستحضِرَهُ في تصرفاتك، ومستحضره بالكتاب والسُنَّة، وليس باليأس والكآبة بحيث أنه يسيطر علىٰ عقلك فتترك الدنيا والدين، فالسُنَّة ليست هكذا، ولكن السُنَّة أنك تعمل لأن هذه دار عمل، وأن معرفتك لهذه الحقيقة وعيشك فيها يجعلك تعمل ليل نهار؛ لكن كل أعمالك تكون مخلصة للّٰه رب العالمين”.

إذن اليقظة نوع من أنواع الإدراك والمعرفة؛ فبيدك أن تتيقظ، بيدك أن تقنع نفسك أنه يكفي هذا الوقت الذي ضاع في الغفلة ونبدأ من الآن، وقال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} انتبه إلىٰ هذه الكلمة {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} قد قرأناها كثيرًا، ألم يأت بفكر أحدنا أن معناها أن تقوم للّٰه عملًا وأن تفيق بذلك من غفلتك؛ والتي فيها إعراض بالقلب عن اللّٰه؛ فتقبل عليه بهمة! {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} يعني من أجل اللّٰه لا من أجل غيره، أي: إخلاص النية للّٰه، أو يعني: تفعلون الأشياء التي يرضىٰ اللّٰه عنها، أو { تَقُومُوا لِلَّهِ} يعني: في سبيل اللّٰه. كل ذلك محتمل.

وتابع: هناك من يأمر وآخر يتلقىٰ، يعني: خالق ومخلوق، إله وإنسان، {إِنَّمَا} تفيد الحصر {أَعِظُكُمْ} أي: هناك موعظة، والموعظة هذه موعظة حسنة، وهذه الموعظة الحسنة من شأنها أن تؤثر في القلوب؛ فالمخاطِبُ هنا رب العالمين يخاطب عباده المؤمنين، ويحصر خطابه فيه لقلوبهم، كل كلمة لها معنىٰ.. { بِوَاحِدَةٍ } يعني: هناك ثانية وثالثة.. إلخ، معناها أن هذا أول شيء، وأول الغيث قطرة ثم ينهمر، فأولها {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} أي: أن أول الطريق اليقظة.. تأمل.. انظر من أين جاء بها!.

وأوضح أن هكذا كلام أهل اللّٰه؛ قد تجد في التفسير معنىً -أو معاني- أُخَر لا مانع؛ فهذا اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، فكله يصح مادام اللفظ يحتمله، وهذا إعجاز القرآن كلام اللّٰه، «وَلاَ يَخْلَقُ -لا يبلىٰ- عَن كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ» فالقرآن غير مخلوق، خارج الزمان والمكان، فكأنه نزل الآن.

إذن فأول بصيص نور في القلب أنك تدرك هذه اليقظة، وأن يتنبه قلبك وأن يلتفت إلىٰ الحقيقة وهي تتلخص في أنه "لا حول ولا قوة إلا باللّٰه"، وتعلم الحقيقة وهي: أنه لا خالق إلا اللّٰه، ولا رازق إلا اللّٰه، ولا محيي إلا اللّٰه، وأن هذا الوجود إنما يستمد وجوده ومدده وبقاءه من اللّٰه، وأن اللّٰه عز وجل بخلاف العالم وهو مخالف لكل الحادثات؛ فاللّٰه قديم والعالم حادث، واللّٰه باقٍ والعالم فانٍ، واللّٰه لا أول له ولا آخر له والعالم له أول وله آخر، واللّٰه حيُّ بيده القوة لا يحتاج إلىٰ أحد؛ فهو قيوم السماوات والأرض، والناس تحتاج إليه.