رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التفكير فى المصريين

أكثر ما استوقفنى فى تصريحات الرئيس، أمس، كان اقتراحه بتجهيز منازل زوجية لحل أزمة المهور، والمغالاة فى تجهيزات الزواج.. لمحة تكشف عن رئيس يفكر فى حياة المصريين، هو بكل تأكيد لديه رغبة فى إصلاح حياة المصريين، وليس فقط فى تأدية واجبات الحكم كوظيفة، التفكير فى الناس، وفهم اللحظة التى يمر بها المجتمع، هو ما يجعل الشخص زعيمًا، فى لحظة ما يظهر قائد ليقول للناس طريقنا من هنا، بقدر الاجتهاد، وبقدر ما يسمح الظرف الدولى والإقليمى يكون التوفيق، الرئيس السيسى بكل تأكيد هو من هذا الطراز من الزعماء.. التفكير فى طريقة زواج الشباب، والعادات الاجتماعية الخاطئة أقرب ما يكون لتفكير أب، هذا التفكير الأبوى قد يرفضه شاب ذو وعى متمرد، قد يرى أن تطوره الفكرى هو وعدة آلاف مثله لا يسمح بهذه «الأبوية».. لكن المجتمع المصرى ليس هؤلاء الآلاف من المثقفين، هو مئة مليون، منهم البسطاء، والفقراء والأميون الذين لم يجدوا من يخاطبهم أو يأخذ بيدهم على مدى نصف قرن أو أكثر.. لذلك فإن ما يفعله الرئيس السيسى هام جدًا جدًا، هو أقرب للإصلاح الاجتماعى لمصر، فضلًا عن أبعاد سياسية واضحة، هو لا يضيق بالمصريين ولا يقول مثل غيره «أجيب لكم منين؟»، لكنه يجتهد فى تدبير الموارد، والتشجيع على التبرع، وتوحيد جهود المجتمع المدنى فى اتجاه واحد يخطط له، أحد أهم أوجه ما يجرى، هو القضاء على فساد التبرعات فى المجتمع المدنى ذى الإطار الدينى، وتوجيه التبرعات فى اتجاه مقاصد الشريعة وفق خطة مركزية مرسومة، مثل كل الأعمال الكبيرة، فإن ما يجرى ليس ذا بعد إنسانى فقط.. الدافع الإنسانى موجود، لكن هناك دافعًا وطنيًا وسياسيًا أيضًا، الرئيس يدرك أن الانتماء عملية متبادلة، الدولة لا بد أن تعطى مواطنيها، كى تحصل منهم على الولاء والانتماء، الأغنية الشهيرة «ما تقولش إيه اديتنا مصر.. قول هندى إيه لمصر» لم تثبت نجاعتها تمامًا.. على الأقل يبدو أن الرئيس غير معجب بها لآخر المدى.. فى احتفالية إفطار الأسرة المصرية بدرت منه عبارة عفوية، وهو يتحدث عن البسطاء «لازم المواطن ياخد حاجة من الدولة».. هناك إيمان بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وهذا أول الأهداف، هناك أيضًا انخراط فى المنظومة العالمية للقضاء على الفقر، الفقر ليس ظاهرة مصرية، هناك نصف مليار فقير فى العالم، منذ خمس سنوات كانوا أكثر من ٧٣٤ مليونًا.. ونجحت جهود الأمم المتحدة فى تقليل أعدادهم، وهذا هو الهدف الثانى، الهدف الثالث والأهم هو أننا كمجتمع يطبق إجراءات الإصلاح بصرامة لا بد أن نفرض إطارًا من الحماية الاجتماعية على الفئات الهشة اقتصاديًا حتى تعبر بسلام، الهدف الرابع والأهم أن باب العمل الاجتماعى كان الباب الأوسع الذى نفذ منه الإرهابيون وتجار السياسة والتيارات الدينية للتواجد وسط الناس والسيطرة عليهم، بينما كانت الدولة غائبة أو مغيبة أو متواطئة.. هذا هو ما يفهمه الرئيس السيسى جيدًا وينتبه له.. كل جهد تبذله الدولة فى اتجاه حماية البسطاء، ومحاربة الفقر، وتكافؤ الفرص، وتمكين الفئات الأبسط لا بد من تحيته والمطالبة بزيادته لأن هذا هو طريق المستقبل ولا طريق غيره.