رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قناة سويس مائية وقناة سويس برية وأخرى تحت الأرض

خطة مصر للتعامل مع بدائل القناة

دراسة تتحدث عن ممر مائى برى يربط الهند والخليج وإسرائيل وأوروبا

مصر انتبهت للخطر منذ ٢٠١٤ وحفرت القناة الجديدة بأموال المصريين

قطار «السخنة- الإسكندرية» خط أسرع إلى جانب قناة السويس وينقل البضائع العاجلة

خط أنابيب سوميد ينقل ٧٠% من بترول الخليج لأوروبا عبر مصر وهو «قناة سويس تحت الأرض»

استكمالًا للحديث عن قطار «السخنة- العلمين» وكونه مشروعًا لربط الشرق بالغرب، أو «قناة سويس على قضبان»، كما قال رئيس شركة سيمنس، هل لا بد أن تعلن الدولة ذلك للناس، أم تعمل حتى يصبح المشروع حقيقة واقعة؟، هل تصبر النخبة لترى نتائج العمل، أم تنهال بسلاح الأسئلة التى يشوبها أحيانًا ضيق الرؤية، ونقص المعلومة، وربما الرغبة فى لفت الانتباه؟.. هل تعلن الدولة ووسائل الإعلام عن التحديات التى تواجه مصر على المستوى الإقليمى وتدعو إلى جبهة واحدة لمواجهتها، أم أن العمل الصامت والمخطط هو أفضل وسيلة لمجابهة هذه التحديات؟، أيًا كانت الإجابة عن هذه الأسئلة فهناك حقيقة ثابتة، وهى أن الدولة المصرية منتبهة جيدًا للتحديات الخارجية وتتعامل معها باحتراف وصمت ربما يكونان ضروريين للغاية، وأن هذا التعامل كان منذ العام الأول للفترة الانتخابية الأولى للرئيس السيسى.. فإلى جانب التحديات الداخلية، المتمثلة فى معركة النمو، والتحديث، وإزالة العشوائيات، والامتداد العمرانى، والزراعى، والصناعى، ورفع مستوى خدمات الصحة، والتعليم، وتنمية الريف بشكل سريع وشامل، إلى جانب هذه التحديات تواجه مصر تحديات خارجية مختلفة، أهمها محاولة إيجاد ممرات اقتصادية بديلة تنازع مصر ميزتها النسبية الكبرى كممر تاريخى بين الشرق والغرب، ودولة تطل على بحرين هما البحر الأحمر وهو بحر آسيوى، والبحر المتوسط وهو بحر أوروبى- إفريقى.. هكذا كانت مصر معبرًا للتجارة الدولية منذ قرون، ولم يكن حفر قناة السويس سوى تسهيل للمهمة وتسريع لزمن عبور البضائع عبر اليابس المصرى من السويس إلى الإسكندرية، أو من العين السخنة إلى الإسكندرية، وفق التطور الجديد.. منذ ٢٠١٤ سعت الدولة المصرية إلى رفع كفاءة قناة السويس، وتسريع زمن العبور بها، من خلال مشروع «قناة السويس الجديدة»، وقد تعرض المشروع لتشكيك من الإخوان وأتباعهم وصل بعضه إلى درجة الابتذال، ثم كان مشروع قطار «السخنة- العلمين» لتأكيد أهمية مصر كممر عالمى للتجارة، ولنقل البضائع التى تتطلب نقلها سرعة أكبر، وربما تكلفة أقل، لقد قادنى البحث عن الممرات الاقتصادية المنافسة لقناة السويس إلى دراسة مهمة للغاية صادرة عن معهد دراسات جنوب آسيا- جامعة سنغافورة.. هذه الدراسة تتحدث عن ممر اقتصادى تسميه «الممر العربى المتوسطى للهند».. إن الباحث الذى أجرى الدراسة «مايكل شاتوم» هو باحث ثقيل الوزن، فهو حاصل على شهادة الدكتوراه من هارفارد، وله دراسات عن الشرق الأوسط، وعن إسرائيل وعن الحركات الإسلامية، وهو يحمل دكتوراه أخرى من جامعة إسبانية، فضلًا عن عدة دبلومات وشهادات تحتاج لمقال خاص لسردها.. تتحدث الدراسة عن خط اقتصادى ملاحى يربط الهند بالإمارات العربية المتحدة، من الإمارات ينطلق خط قطار يقطع الأراضى السعودية، والأردنية، إلى ميناء حيفا فى إسرائيل، من إسرائيل تنطلق السفن إلى اليونان حاملة البضائع إلى باقى أنحاء أوروبا.. هذه البضائع مخطط لها أن تصل من الهند إلى أوروبا فى أقل من عشرة أيام، وحسب الدراسة فإن هذه المدة أسرع بنسبة ٤٠٪ من طريق قناة السويس، لا يعنى هذا أن القناة ستفقد أهميتها، فقد توقف العالم كله عن التنفس حين عطلت إحدى السفن فى القناة، ولا تثريب على أى دولة فى أن تسعى لما فيه خيرها، ولكن مصر اليقظة تتحرك، وتنجز، وإن لم تتحدث كثيرًا.. تتحدث الدراسة عن مشروع عملاق يقوم على استثمارات كبيرة للأشقاء فى الهند، فى مجال الزراعة تحديدًا، الخبرة إسرائيلية، التمويل عربى، الأيدى العاملة هندية، تقوم الفكرة أيضًا على القيمة المضافة للمواد الخام، فلو افترضنا أن المنتج «بدلة» مثلًا.. فهو سيصل من الهند إلى الإمارات كقطعة قماش مقصوصة، وهناك تضاف له «الأزرار» مثلًا، وفى إسرائيل تضاف له مرحلة إنتاجية جديدة.. وهكذا حتى يصل منتجًا جاهزًا إلى أوروبا، إلى جانب الأغذية، هناك تخطيط لصناعة بتروكيماويات عملاقة، حيث يذهب النفط الخام فى رحلة عكسية إلى الهند، وهناك تستقبله معامل ضخمة، تحوله الى لدائن وبويات، وأصباغ، ومواد لاصقة، ويعود مرة أخرى عبر السفن، والقطار إلى إسرائيل ثم أوروبا.. هذه المعلومات بكل تأكيد ليست مفاجأة لدولة يقظة مثل مصر، وهى أحد معالم عالم جديد يتشكل، تسعى مصر فيه لتأكيد مكانتها، وما لا يعلمه كثيرون أنه إلى جانب قطار «السخنة- العلمين» فإن لدينا قناة سويس أخرى تحت الأرض، هى خط أنابيب سوميد، وهو خط نقل بترولى تأسس لأول مرة عقب حرب أكتوبر ٧٣ ويمتد أيضًا من العين السخنة إلى سيدى كرير على ساحل البحر الأبيض، وينتقل من خلاله ٧٠٪ من بترول الخليج إلى أوروبا عبر مصر، وقد حققت شركة سوميد فى عام ٢٠٢٠ أرباحًا صافية بلغت ١٦٦ مليون دولار.. والمعنى أن هناك تحديات، وأن هناك مشروعات تسابق بها مصر الزمن، استجابة لهذه التحديات، وأن مشروعات مثل «قناة السويس الجديدة» وقطار «السخنة- الإسكندرية» خطوات على هذا الطريق، وأن الدول ليست مطالبة بكشف كل أوراقها، أو التغطية المكثفة لكل مشاريعها، ولا يعنى هذا أن هناك خطرًا على مصر، فقناة السويس إحدى ركائز التجارة الدولية، وستبقى كذلك، ومصر إحدى ركائز السلم العالمى وستبقى كذلك، لكن هناك تحديات تظهر، ومحاور تتشكل، ومصالح تتبلور.. ومصر قادرة على التعامل مع كل ذلك بكفاءة، وعزم بإذن الله.