رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكراه.. هكذا ساقت «أزهار الشر» شارل بودلير إلى ساحات المحاكم

شارل بودلير
شارل بودلير

أثار ديوانه "أزهار الشر" حفيظة المحافظين في زمنه، فقدم إلي المحاكمة على خلفية نشره للديوان، وهو واحد من رواد الحداثة في أوروبا في القرن الـ19. إنه الشاعر الفرنسي شارل بودلير، والذي تحل اليوم الذكرى الرابعة والخمسين بعد المائة على رحيله عن عالمنا، حيث توفي في مثل هذا اليوم من العام 1867.

كانت حياة الشاعر الفرنسي شارل بودلير بائسة، مرتبكة، متخبطة، عصبية، حيث كان بودلير شديد القلق بل يتمتع بمزاج سوداوي. وكان بودلير يعاني من القلق لمواجهة تلك النظرة الساذجة التي أبداها من أعطوه ثقتهم الكاملة وأظهروا حماسا لا حدود له لمفهوم التقدم والحداثة القادرة علي حل جميع المشاكل التي تطرحها الحداثة نفسها.

كان شارل بودلير يحمل قناعة ذاتية عن أن الإنسان يحمل بداخله الكثير من الطباع السيئة، علي هكس ما كان يقول به فيلسوف عصره جان جاك روسو. ورغم ذلك كان بودلير شديد الحرص أن يعيش حالة من التصالح مع عصره الذي يثير قلقه. حتي أنه كان حداثيا ومناهض للحداثة في الوقت نفسه.

صدر ديوان شارل بودلير "أزهار الشر" لأول مرة عام 1857 وضم ستة أقسام حسب موضوعاتها وهي: السأم، المثالية، الخمر، واحات باريسية، أزهار الشر، تمرد. وخلقت طبعة ديوانه الأولي من أزهار الشر جدلا كبيرا أرسل بودلير إلي قاعات المحاكم. فتم إصدار طبعات أخري منقحة ومعدلة من الديوان فيما بعد.

كما احتوي ديوان "أزهار الشر" علي جل ما كتبه شارل بودلير في الفترة ما بين عام 1840 وحتي عام  1867. وكان جريدة "لو فيجارو" قد نشرت عدة مقالات نقدية قاسية تناهض الديوان فور صدوره، واصفة ديوان أزهار الشر بأنه :"مستشفي مفتوح علي خرف الروح وفساد القلب" وواصفة مؤلفه الشعر شارل بودلير بأنه "الكابوس الذي يترك في نفس القارئ الحزن والكأبة، وأن ما كتبه بمثابة جثث قذرة يجب إبعادها لتتعفن في قبو تحت الأرض، حتي لا تفسد الأخلاق والدين."

كما دعت بعض الكنائس الكاثوليكية المتشددة إلي منع "أزهار الشر" وإلي رفع دعاوي قضائية ضد الشاعر شارل بودلير. ساق ديوان أزهار الشر بودلير إلي المحكمة بتهم التعدي علي القيم الأخلاقية وازدراء الآداب العامة والتحريض علي الرذيلة. ووجد النائب العام الفرنسي وقتها أن كلمات بودلير وقحة ونابية وتسيئ إلي الأخلاق والدين.

لكن الدفاع صب في صالح الشاعر شارل بودلير بعدما أكد محامي الدفاع عنه أنه لم يكن يقصد الإساءة، وأن الفنان مطالب بالموهبة وليس بالنوايا الحسنة. وقضت المحكمة في جنحة شارل بودلير بعدم سجنه وتغريمه 300 فرنك فرنسي وحذف عدد من قصائد ديوانه أزهار الشر.

في هذه المحاكمة لديوانه أزهار الشر، تضامن المثقفين والكتاب مع بودلير، ومن بينهم الروائي "فيكتور هوجو" والذي كتب في رسالة دعمه لبودلير: "توصلت برسالتك النبيلة وبكتابك الجميل. الفن ك "اللازوارد" إنه الحقل اللامتناهي ولقد تمكنت من إثبات ذلك. أزهار الشر التي كتبتها مشعة، مبهرة، كالنجوم. استمر سوف أصرخ بكل قوتي محييا شجاعة روحك، واسمح لي بأن أذيل هذه السطور القليلة بالتهنئة، لقد وشحت للتو بأندر ما يمكن للنظام الحالي منحه، ما يمسه عدالته إدانة بما يسميه أخلاقه وهنا يضاف التاج. إنني أشد علي يدك أيها الشاعر.