رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نظرية كورونا

نشهد أحداثًا غير مسبوقة، ويرقص الإعلام فى العالم كله مع كل حدث رقصات بدائية، توحى لنا أننا نحيط بكل شىء على الكوكب، ووسط الضجيج نفتقد رأى المتخصصين من العلماء والمفكرين والفلاسفة فى الورطة الكونية التى نعيشها، لا أحد يريد أن يصغى إلى أحد، كل بلد اكتفى بمحلليه الذين يفهمون فى كل شىء، كأن هناك من يريد أن يباعد بين الثقافات، نعيش فى أجواء وباء لن يرحل قريبًا، الطبيعة غاضبة هى الأخرى على البشر، طالبان، تطرف، حروب عبثية فى كل مكان، ونعرف كل شىء أولًا بأول، ولا نعرف ماذا ينتظرنا فى المستقبل القريب.

مع انتشار كورونا ذهبت أصوات كثيرة فى العالم إلى إسقاط نظريات، تصور كثيرون أنها مقدسة، بينها نظرية المفكر الأمريكى من أصل يابانى، فرانسيس فوكوياما «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» التى أطلقها فى كتاب يحمل الاسم نفسه سنة ١٩٩٢، والتى ترى أن الديمقراطية الغربية وقيمها المتعلقة بالحرية الفردية، أفضل ما وصل إليه تطور العلم السياسى، ويبقى دور الدولة محدودًا طالما التطور الرأسمالى فى حالة صعود، كورونا أثبتت ضعف هذه النظرية، لأن الليبرالية بمفهومها الغربى تقلل من قدرة الدول على مقاومة الأوبئة، ونجحت الدول الأكثر شمولية وتسلطًا فى السيطرة على الوباء، حرصًا على صحة شعوبها، ورأى آخرون أن الصحة ليست مجرد موضوع محايد للبحث الفلسفى، هناك من اعتبر الفيروس نجح فى إلغاء معالم العولمة، وعطل فكرة الفرد ككيان أخلاقى، وهدم الفلسفة، وبعضهم رأى أن الفيروس منح الرأسمالية فرصة للتحكم فى حياة الناس، وتقييد حرياتهم وعودة الدولة الأمنية، هناك من قال إن الفيروس اللعين استطاع بناء نظرية جديدة لنهاية التاريخ بشكل يخالف نظرية فوكوياما، الذى كان منظرًا للمحافظين فى أمريكا، وكان من المنادين بالتخلص من صدام حسين، وهو أيضًا الذى لم يعجبه تدمير العراق!، فوكوياما خرج أخيرًا ليدلو بدلوه فى مقال، نشرت الإندبندنت العربية ترجمته قبل أيام، يرى فيه أن الأزمات الكبرى تولد نتائج كبرى، تكون فى الغالب غير متوقعة، كما حدث بعد الكساد الكبير فى تلاثينيات القرن الماضى، الذى حفز الانعزالية والقومية والفاشية، ثم الحرب العالمية الثانية، ولكنه أدى أيضًا إلى صعود الولايات المتحدة كقوة عظمى، وأشار أيضًا إلى أحداث ١١ سبتمبر التى جعلت أمريكا تفشل مرتين فى التدخل، وظهور أشكال جديدة من التطرف الإسلامى، وما فعلته الأزمة المالية فى ٢٠٠٨ من إنتاج طفرة شعبوية مضادة لمؤسسات الدولة، وحاول أن يتنبأ بما ستحدثه جائحة كورونا فى المستقبل، هو يرى أن الأزمة الممتدة ستزيد من حالات فشل الأعمال والدمار لقطاعات كالسفر ومراكز التسوق وسلاسل البيع بالتجزئة، وستكون الشركات الكبيرة ذات الموارد المالية الوفيرة وحدها قادرة على تجاوز المحنة، مع استفادة عمالقة قطاع التكنولوجيا من الأزمة بشكل أكبر من الجميع، لا سيما أن التواصل الرقمى بين الناس سيصبح أكثر أهمية من أى وقت فى الماضى، ويرى أن الوباء قد يؤدى على امتداد السنوات المقبلة إلى تدهور نسبى للولايات المتحدة، واستمرار تآكل النظام الدولى الليبرالى، وانبعاث الفاشية من جديد حول العالم، وأنه سيؤكد عدم صحة الأشكال المتطرفة من النيوليبرالية التى تمثل أيديولوجية اقتصاد السوق التى ابتكرها اقتصاديو جامعة شيكاغو، الذين برروا فكريًا لسياسات رونالد ريجان ومارجريت تاتشر، اللذين اعتبرا أن الحكومة الكبيرة المتطفلة تشكل عقبة فى وجه النمو الاقتصادى والتقدم البشرى، هو يرى أن الطريق طويل ومؤلم، وأن التوزيع العالمى للسلطة سيكون فى صالح شرق آسيا، لأنهم كانوا أفضل من أمريكا وأوروبا فى إدارة الأزمة، وأن الصين ستستفيد أكثر من غيرها، ولو كانت هناك بارقة أمل ستكون فى الضغط على بعض الأنظمة لخلق ظروف مناسبة لتحقيق إصلاح بنيوى حقيقى طال انتظاره.