رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خبير أمريكي: 3 أسباب تدعو للقلق بشأن التقدم السياسي والاقتصادي لإفريقيا

القارة الإفريقية
القارة الإفريقية

المشكلات التي تعاني منها القارة الإفريقية متعددة وتبدو بلا نهاية، رغم الجهود التي تبذلها الكثير من دولها في مختلف المجالات.

ويرى الخبير الاقتصادي الأمريكي تايلر كاون أن أحد الأمور الأكثر إثارة للحزن هذا العام لم يحظ بالاهتمام إلى حد كبير؛ وهو تباطؤ التقدم السياسي والاقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وقال كاون في مقال نشرته وكالة بلومبرج للأنباء، إنه لم يعد هناك مسار واضح يمكن توقعه، أو رأي بسيط يمكن طرحه، حول كيف قد تشق أفقر قارة في العالم طريقها إلى تحقيق وضعية الدخل المتوسط.

ولفت كاون إلى أن أفريقيا تذخر بإمكانيات بشرية مذهلة وتراث ثقافي رائع، إلا أنه يمكن القول بصراحة أن مراكزها السياسية الرئيسية تشهد تفككا.

وأشار إلى أن هناك ثلاث دول تحظى بأهمية من الناحية الجيوسياسية أكثر من غيرها. أولها: إثيوبيا، التي يبلغ عدد سكانها 118 مليون نسمة، وهي ثاني أكبر دولة في إفريقيا جنوب الصحراء من حيث عدد السكان، والموقع الأكثر أهمية في شرق أفريقيا .
وهناك أيضا نيجيريا، التي يقطنها أكبر عدد من السكان، حيث يبلغ 212 مليون نسمة، ولديها أكبر ناتج محلي إجمالي في القارة.

وتعتبر جنوب إفريقيا، التي يبلغ عدد سكانها 60 مليون نسمة، أغنى دولة في المنطقة، وتمثل الثقل الاقتصادي والسياسي المركزي في الجزء الجنوبي من القارة.\

وخلال العامين الماضيين، شهدت تلك الدول الثلاث سابقة الذكر أزمات شديدة الخطورة.
وتعد أزمة إثيوبيا هي الأكثر وضوحا، حيث تتفاقم هناك حرب أهلية يوما بعد يوم. 

ومؤخرا، دعا رئيس الوزراء آبي أحمد جميع المواطنين المؤهلين للالنضمام للقوات المسلحة. ووصف كاون هذا بأنه مؤشر على اليأس، وليس على حل وشيك للصراع.

وكان آبي أحمد قد تعهد بتحقيق نصر سريع، إلا أن قوات إقليم تيجراي انتصرت في بعض المعارك ضد قوات الجيش الإثيوبي في يونيو، وسيطرت على مناطق مهمة في البلاد. 

وأصبح متمردو تيجراي يسيطرون حاليا على مدينة لاليبيلا الشهيرة، وهي مركز سياحي رئيسي، وتوجد بها كنائس مسيحية منحوتة في الصخور، وموضوعة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وليس من الواضح ما الذي يمكن أن يحدث خلال الفترة القادمة.

ويدعو كاون إلى تذكر أنه قبل الصراع الأخير، سجلت إثيوبيا سنوات من النمو الاقتصادي مزدوج الأرقام، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ إفريقيا الحديث. وكان ما شهدته إثيوبيا من سياسة صناعية وإصلاحات اقتصادية بمثابة معجزات يتعين على الدول النامية الأخرى محاكاتها.

وربما يكون الوضع في نيجيريا أقل خطورة، إلا أنه من الواضح أن سياسة البلاد تمضي إلى الوراء. فهناك تمرد منذ أمد طويل في الجزء الشمال الشرقي، وتعطل للنشاط التجاري في الجنوب الشرقي، وزيادة ملحوظة في عمليات الاختطاف من أجل الحصول على فدية.
وتحدث مؤخرا تقرير لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي عن "نزعة انفصالية متزايدة" في البلاد.

وبينما يثير ارتفاع حالات الاختطاف الفزع في حد ذاته، فإنه أيضا مؤشر على ضعف الحكومة الوطنية. وتشهد البلاد ما يسميه البعض بـ"وباء الاختطاف"، مع استمرار عدم ذكر العدد الحقيقي لحوادث الاختطاف.

وعلى الصعيد الاقتصادي، خرجت نيجيريا للتو من ركودها الثاني خلال أربع سنوات، ولم يتجاوز معدل النمو بها الـ 3% منذ عام 2015.

وفيما يتعلق بجنوب إفريقيا، أشار مقال نشرته "نيويوركر" مؤخرا إلى أن "حلم مانديلا" أصبح "في حالة من الخراب" وتحدث المقال عن "عنف الغوغاء" الذي "يهدد النظام الدستوري في البلاد".

وتعرضت نحو 40 ألف شركة للنهب والتخريب أو الحرق وسط أعمال شغب واضطرابات. وشهدت البلاد أسوأ أعمال عنف منذ نهاية الفصل العنصري.

وتشهد جنوب إفريقيا موجات إصابة بكورونا وإغلاقات واسعة النطاق. وبلغ معدل البطالة 33% ، وهذا لا يشمل من توقفوا عن البحث عن عمل.

وكان من المفترض أن تكون هذه الدول الثلاثة هي المحركات الاقتصادية لقارةٍ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنها ستكون موطنا لنحو 5ر2 مليار شخص بحلول 2050 ، أو ما يعادل ربع سكان العالم.

ورأى كاون أنه مع تدهور اقتصادات هذه الدول، ومُضي جنوب إفريقيا في بعض الخطوات لمحاسبة الرئيس السابق جاكوب زوما، من الصعب القول إن هذه الدول نماذج سياسية لإرساء ديمقراطيات مستقرة.

وبالنظر إلى الحجم والإرث التاريخي والثقافي، كان من المفترض أن تكون جمهورية الكونغو الديمقراطية منافسا آخر كدولة إفريقية مؤثرة. إلا أن الصراع يعصف بالبلاد منذ عقود، ولم تعد في وضع يسمح لها بملء الفراغ الناجم عن إخفاقات إثيوبيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا.

وكانت العقود الماضية مواتية نسبيا لإفريقيا. فقد كان هناك حد أدنى من الحروب حول العالم، وتراجع في الأوبئة واسعة التفشي (حتى وقت قريب)، وكانت الصين مهتمة بتطوير البنية التحتية الإفريقية، وحققت دول القارة تقدما كبيرا في مجال الصحة العامة.

وتساءل كاون عما إذا كان من الممكن أن تكون هذه النافذة قد أُغلقت، وانتهى وقت المكاسب الكبرى ؟. و يضيف أن هذا حتى مع عدم مراعاة احتمال حدوث أضرار إضافية من كورونا في القارة التي تشهد معدلا منخفضا للغاية في التلقيح ضد كورونا

وأشار كاون في ختام مقاله إلى احتمال أن يكون تزامن هذه الإخفاقات في جنوب الصحراء مجرد مصادفة. ولكنه أشار في الوقت نفسه إلى احتمال آخر مثير للقلق وهو أن "تقنيات وأيديولوجيات عصرنا ليست مناسبة للدول الأقل تقدما ذات الحكومات الضعيفة والمجموعات العرقية المتنافرة. وفي تلك الحالة، قد يكون كل هذا الحظ العاثر نذيرا لأوقات أسوأ قادمة".