رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى محبة دلال عبدالعزيز.. روح مصر الطيبة

 

كل البشر مفارقة.. حقيقةٌ ربما لا يتوقف عندها الكثيرون، ولا يدرك جوهرها إلا قلة معدودة، نعرفهم بأسمائهم عندما يأتى وقت الرحيل، فتغيب الأجساد وتفنى، لتظل ذكراهم الطيبة عالقة فى الأذهان والقلوب ما بقى إنسان على وجه الأرض. نعرفهم بما يتبقى لهم فى قلوبنا من محبة وعرفان، وما يخلفه الرحيل من أحزان، نعرفهم بذكرياتنا معهم وبآثارهم فى حياتنا.

وربما لا أكون مغاليًا إذا قلت إن النجمة دلال عبدالعزيز كانت واحدة من هؤلاء الذين أدركوا جوهر الحياة وقيمتها الحقيقية، فكانت المحبة هى إرثها الكبير الباقى.. كانت واحدة من القلة التى أدركت أن المحبة هى كنزُ العارفِ، وهى ما يبقى منه وله، فزرعتها فى كل خطوة خطتها على سطح الأرض، وروتها ورعتها حتى أثمرت دموعًا فى أعين ملايين المصريين الذين آلمهم فراقها.

كنا جميعًا نتوقع خبر رحيل الفنانة الجميلة دلال عبدالعزيز بين لحظة وأخرى، لكننا ظللنا طوال أشهر مرضها ندعو لها بالصحة والعافية، والعودة إلى أحضان أسرتها الصغيرة سالمة معافاة، نتمنى لها البقاء، ويغلبنا الأمل فى معجزة طبية تعيدها لنا.. لكننا جميعًا فزعنا حين عرفنا بالخبر الحزين، وحين جاء موعد الرحيل، فما كانت دلال واحدة ممن يعبرون على سطح الحياة دون أثر يبقى فى الروح طويلًا، يعيش فيها وفينا، فنظل نتذكرها، ونحكى عنها، وعن رحلتها مع الحياة، والدنيا، نحكى عن جمال حكايتها مع حبيب عمرها سمير غانم، ونتداول قصتهما كعلامة على روعة المحبة، نتأمل ملامح الرضا فى قسمات وجهها، وكلمات كل من اقتربوا منها، وحكاياتهم معها، كأم وصديقة ونفس طيبة تحب الجميع ويحبها الجميع. نحكى عن رحلتها مع الحياة، و«معافرتها» وإصرارها على تحقيق ما تريد، ولو بتغيير مسار حياتها جملة وتفصيلًا، فربما لا يعرف الكثيرون مثلًا أنها لم تكن تلك الفتاة التى تقنع بالحياة العادية لخريجة كلية الزراعة بجامعة الزقازيق، ولم تكن مجرد ممثلة تكفيها متعة الأضواء والشهرة، فبمجرد تخرجها فى كلية الزراعة، أصرت على الانتقال إلى القاهرة، واحتراف العمل كممثلة، حيث اكتشفها المخرج الكبير نور الدمرداش، لتصبح واحدة من نجمات المسرح المصرى فى السبعينيات، وحتى هذه لم تكتف بها، فحصلت على بكالوريوس الإعلام من جامعة القاهرة، قبل أن تحصل على ليسانس الآداب من قسم اللغة الإنجليزية بنفس الجامعة، ولتواصل رحلة «معافرتها» مع الحياة، بالحصول على دبلوم العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

هكذا.. لم تكن دلال سوى مزيج من المحبة والإصرار والطيبة والمعافرة والرضا، مستها بهجة القرب من سمير غانم، مبدع فلسفة العبور الآمن على سطح الحياة، والمرور خفيفًا بكل عابر، كطريق للبقاء والعيش فى القلوب.

هكذا يمكنك بكل بساطة أن تقول عن دلال عبدالعزيز إنها كانت، وستظل، روح مصر الطيبة، الجميلة، المحبة للحياة، «المعافرة» التى تعمل بدأب وإصرار على الوصول إلى ما تريد وتحب، والراضية بما أتاها الله من نِعم.

سلامًا أيتها العزيزة دلال عبدالعزيز.