رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يفشل الإخوان؟

 

هل فشل الإخوان فى تونس؟ نعم فشل الإخوان فى تونس وفى مصر وفى السودان وفى أى بلد تواجدوا فيه.. وسيفشلون بكل تأكيد فى المستقبل.. هذا إذا كان لهم أى مستقبل.. لماذا فشل الإخوان..؟ السؤال معقد ولكنّ جزءًا من إجابته أن الإخوان جماعة خيالية أو افتراضية.. من الناحية النفسية يريد الإخوانى أن يكون شخصًا مثاليًا يحصل على أعلى الدرجات فى الكلية، ويجلس فى الصف الأول، ويكتب المحاضرات، لكن هذا لا يقوده إلى أن يصبح طبيبًا لامعًا مثلًا، أو عالمًا له شأن.. أو مهندسًا ذا إنجاز فى التصميم.. عدد كبير جدًا من الإخوان فى مصر مثلًا كانوا أساتذة جامعات وأعضاء فى هيئات التدريس.. كان هذا توجيهًا من الجماعة لأعضائها بكل تأكيد.. لكن محصلته النهائية صفر كبير.. الأغلبية الساحقة منهم متوسطو الموهبة أو «ميديوكرات» لا إنتاج لامع لهم، ولا إضافة معرفية.. ولا إسهام حقيقى.. عقليات محدودة مغلقة على معتقداتها وعلى مناهج الجماعة.. وبالتالى قد تجد واحدًا منهم يحصل على منحة فى جامعة أمريكية مثلًا ويعود كما ذهب.. صفر كبير.. لأنه فى حقيقة الأمر كان مرعوبًا من التفاعل مع ما حوله.. ويتعامل مع الغرب على أنه دار كفر، وأن من حوله أعداء، وأن عليه أن يحذر منهم.. وأن ثقافة الغرب هى ثقافة كفر وانحلال، وأن التفاعل معها يمكن أن يفتنه عن دينه.. ومن ثم يتعامل مع الجامعة الغربية على أنها كتاب يتلقى فيه بعض الدروس ويعود لينكفئ عليها، ثم يفرغ بعدها لقراءة الكتب التى قررها عليه مسئوله فى جماعة الإخوان.. وقد كان الراحل محمد مرسى نموذجًا مثاليًا لهذه الفكرة.. شهادة من جامعة غربية وطريقة تفكير ريفية وساذجة ومثيرة للشفقة.. نفس ما يحدث فى علوم الدنيا يحدث فى علوم الدين.. نظرة ساذجة ومثالية تتجاهل تاريخ آلاف الحكام فى العالم الإسلامى، وتتوقف أمام نموذج استثنائى جدًا هو عمر بن الخطاب، رضى الله عنه.. يظن كل إخوانى ينتخبه زملاؤه رئيسًا للفصل فى المدرسة أنه عمر بن الخطاب، رضى الله عنه.. ويظن كل عضو مجلس نواب إخوانى أنه سيعيد سيرة ثانى الخلفاء.. والمعنى أن الإخوان يتركون الحاضر الذى لا يعرفون عنه شيئًا ليحلموا بماض مشرق للأمة لا يعرفون عنه شيئًا أيضًا.. يظن عدد كبير منهم أن الله سينصرهم لمجرد أنهم إخوان.. وأن معجزة ستحدث تجعلهم ينجحون فى الحكم. 

والحقيقة أن الله ينصر من يعملون.. ومن يتسلحون بالخبرة اللازمة.. ومن يتجردون لخدمة أوطانهم.. جزء من معضلة الإخوان فى العالم العربى قريب جدًا من معضلة «البيضة والكتكوت» وأيهما وجد أولًا؟ من يدير دولة فى العالم العربى أو غيره يجب أن يتحلى بخبرة لازمة.. هذه الخبرة لا تتوافر سوى من عمل طويلًا جدًا داخل هذه الدولة.. هذه الخبرة لا تباع فى الأسواق.. ولا يتم تدريسها فى الكليات.. هى مزيج من الموهبة والتراكم والعمل والرؤية والخيال وفهم الواقع وقبوله ورفضه معًا.. والحقيقة أن الإخوان بسبب طليعتهم التكفيرية اختاروا التآمر والصدام مع كل الدول التى عاصرت وجودهم، الملكية والجمهورية التى يحكمها رؤساء من خلفية عسكرية مثل مصر، أو خلفية مدنية مثل تونس.. إلخ.. وبالتالى كان من المستحيل أن يسمح لهم بالتواجد فى دواليب العمل داخل الدولة.. وبالتالى ظلوا يعيشون فى تهاويم سياسية وفكرية ويتآمرون للوصول للحكم، وعندما وصلوا اكتشفوا أنهم لا يعرفون ما هو الحكم من الأساس.. هم بارعون فى هدم الدول القائمة، واستغلال أخطاء الحكام، واستثمار فشل مشاريع النهضة العربية، وإيهام الناس أنهم يملكون حلًا سحريًا لهذا الفشل.. لكنهم ما أن اعتلوا الحكم حتى أغرقوا الدول فى مزيد من الفشل، وأدركت الشعوب هذه الحقيقة بسرعة مذهلة، لذلك خرجت ضدهم.. ورغم اختلاف السيناريو التونسى عن السيناريو المصرى فإن النتيجة ستكون واحدة.. وربما يعود البرلمان التونسى بعد شهر.. لكن النهضة لن تنجح فى الانتخابات المقبلة وسيلفظها الشعب التونسى.. ليس لأن الناس ضد الديمقراطية.. ولكن لأنهم ضد الفشل.. والإخوان فاشلون بالثلاثة.. وسيظلون فاشلين طالما هم يأتون للحكم دون التسلح بخبرة العمل فى دولاب الدولة.. وهم سيظلون خارج دولاب الدولة طالما هم تكفيريون لا يخلصون للوطن ويرونه حفنة من تراب عفن.. وهكذا وهكذا.. إلى الأبد.