رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أي رئيس هذا؟ (2)

لم ينشغل الرئيس عبد الفتاح السيسي، بما جرى يوم الخميس الماضي، في أروقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لمناقشة أزمة سد إثيوبيا، وسط ترقب عالمي لمجريات هذا الاجتماع، وما سيسفر عنه في قضية الوجود المصري ـ السوداني، جراء إصرار أديس أبابا على تصرفاتها الأحادية بشأن ملء وتشغيل هذا السد.. لم يُشغله ذلك عن التعبير عن وفاء مصر لبطل الحرب والسلام، الرئيس الراحل محمد أنور السادات، في صورة زوجته السيدة جيهان السادات، التي وافتها المنية صباح يوم الجمعة التالي لاجتماعات مجلس الأمن، إذ، وفي سابقة تاريخية، تُقام جنازة عسكرية، لإمرأة، هي السيدة جيهان، تقدمها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والسيدة وقرينته، وأقيمت أمام النصب التذكاري للجندي المجهول بمنطقة المنصة بمدينة نصر، شارك فيها رئيس الحكومة ووزير الدفاع وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وكبار رجال الدولة، حيث حمل جنود الجيش نعش الراحلة، مفلوفاً بعلم مصر، وتم إطلاق 21 طلقة مدفعية تكريماً للسيدة التي وصفتها، السيدة انتصار السيسي، في نعيها (لقد رحلت عن عالمنا اليوم، سيدة جليلة وفاضلة، هي السيدة جيهان السادات، التي كانت نموذجاً للمرأة المثالية الوطنية، التي ضحت براحتها من أجل بلدها.. شهدت السيدة جيهان السادات أصعب الفترات وأقساها كزوجة كانت خير السند لزوجها، وخير أم للأبطال، فما زلت أتذكر صورتها وهي تداوى جراح أبطالنا من رجال القوات المسلحة المصرية أثناء حرب أكتوبر المجيدة).
الإقرار بالفضل لأصحابه، واعتراف مصر بتضحيات أبنائها من أجل رفعتها وحفظ مكانتها بين الأمم.. هذه هي الرسالة التي يمكن قراءتها مما قرره الرئيس عبد الفتاح السيسي، بإطلاق اسم السيدة جيهان على محور الفردوس، أحد محاور الطرق الرئيسية بشرقي القاهرة، بطول تسعة كيلومترات، ومنحها (وسام الكمال)، تكريماً لمشاركتها زوجها كل الأحداث المهمة التي شهدتها مصر، بدءًا من ثورة 23 يوليو وحتى اغتياله عام 1981.. فهي أول سيدة أولى في تاريخ جمهورية مصر العربية تخرج إلى دائرة العمل العام، لتباشر العمل بنفسها.. بل إنها خرجت للعمل العام قبل أن يصبح السادات رئيساً، وشاركت في تطبيب الجنود بالمستشفيات خلال حرب 1967، وكذلك فعلت في حرب أكتوير المجيدة، التي ترأست خلالها الهلال الأحمر المصري وجمعية بنك الدم المصري، وكانت الرئيس الفخري للمجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، كما كانت رئيسة الجمعية المصرية لمرضى السرطان، وجمعية الحفاظ على الآثار المصرية، والجمعية العلمية للمرأة المصرية، وجمعية رعاية طلاب الجامعات والمعاهد العليا.. وكان لها أدوار مهمة في مجال دعم المرأة، من خلال تعديل بعض القوانين، وعلى رأسها قانون الأحوال الشخصية، الذي لا يزال يُعرف في مصر حتى الآن بـ (قانون جيهان).. ولذا فقد نعتها الرئاسة المصرية، في بيان أكدت فيه أن الراحلة (قدمت نموذجاً للمرأة المصرية في مساندة زوجها في ظل أصعب الظروف وأدقها، حتى قاد البلاد لتحقيق النصر التاريخي في حرب أكتوبر المجيدة، الذي مثّل علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، وأعاد لها العزة والكرامة).
كانت زوجة صابرة على المحن، قوية في مواجهة الأزمات، وما أكثرها فيما مضى، لكنها ظلت رابطة الجأش، صلبة كما يليق بزوجة بطل للحرب والسلام، استُشهد في ذكرى انتصار بلاده.. عن اغتيال زوجها الراحل أنور السادات يوم الاحتفال بنصر أكتوبر عام 1981، قالت، (هذا قدره، ووفاته وسط أبنائه وفي يوم نصره يشعرنا بالفخر لأنه أمر لا يُنسى.. لو أنه توفي في أي يوم عادي كان من الممكن نسيانه بالتدريج، بينما وفاته في هذا اليوم جعلت ذكراه محفورة في ذاكرة كل المصريين والعرب.. لقد منح القتلة، دون أن يدركوا، السادات وساماً من أعلى الدرجات، وهو الشهادة في يوم نصره).
إن دفن جثمان السيدة جيهان بجوار زوجها الرئيس الراحل، المدفون بنفس مكان اغتياله، بجوار النصب التذكاري للجندي المجهول، بمدينة نصر، يجيئ تنفيذاً لوصيتها، وتكريماً من الدولة المصرية والرئيس السيسي لهذه السيدة وللتاريخ المشرف لزوجها الرئيس الراحل.. وهو يعكس في نفس الوقت إنسانية الرئيس السيسي، التي لم تتبدى فقط في هذا الموقف، بل كانت هي العنوان الذي حكم مسيرته تجاه أبناء الشعب المصري، منذ أن تولى قيادة البلاد، وانتشلها من إيدي عصابة الإخوان الذين حكموها لعام أسود.
فالمواقف الإنسانية للرئيس السيسي كثيرة، جعلت المصريين يلقّبونه بـ (جابر الخواطر).. فطوال الوقت تظهر مواقف الرئيس، لتؤكد دعمه للشعب، خاصة المواطنين البسطاء، على مدار سنوات من حكمه المليئة بالمواقف الإنسانية البارزة التي تركت أثراً في نفوس المصريين بمختلف طبقاتهم، وحصلت على إعجاب الملايين الذين رأوا أنها لم تحدث في مصر منذ سنوات.. لقد أرسى الرئيس عبد الفتاح السيسي مبدأ (الرئيس الإنسان)، الذي يتواصل مع الجميع، ويشعر بالناس، ويتجاوب مع مشكلات المواطن البسيط، فضلاً عن تقديم الشكر للنبلاء من المواطنين على مساهماتهم البسيطة الفعالة، متى ما فعلوا ذلك.. وضرب الرئيس القدوة والمثل في التواصل الإنسانى، وأثبت حرصه على التفاعل الكامل مع فئات الشعب، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وإنسانياً، فقد جاء رد فعل الرئيس الإنسان تجاه عدد من المواطنين غاية في النبل والإنسانية.
بعد أسبوع واحد من إعلان فوزه بانتخابات الرئاسة، عام 2014، قدم الرئيس الاعتذار لسيدة جرى التحرش بها في ميدان التحرير أثناء الاحتفالات بتنصيبه رئيساً للبلاد.. وقام سيادته، ضمن وفد رفيع المستوى، ضم وزير الدفاع ورئيس الأركان، بزيارة السيدة، وعبّر لها عن حزنه وأسفه لما جرى، وطيّب خاطرها بقوله (حقك علينا، معلش، متزعليش، حمداً لله على السلامة، أنا تحت أمرك.. أنا آسف).. في لفتة إنسانية، شعر الرئيس بالأسف على حال كل امرأة مصرية، وباسمه وصفته، خاطب سيدات مصر (بعتذر لك، وكدولة لن نسمح بده تاني، ولينا إجراءات في منتهى الحسم، وجاي أقولك ولكل ست مصرية أنا أسف، بعتذر لكن كلكن، سامحوني).. أي رئيس هذا؟.
وفي يوليو 2014، بينما كان الرئيس يقرأ صباحاً جريدة (الأخبار)، وجد تقريراً منشوراً عن سيدة تدعى (زينب)، تبرعت بقرطها إلى صندوق تحيا مصر، إذ لم تجد ما تتبرع به سواه.. السيدة المُسنة، الحاجة زينب مصطفى مسعد الملاح، تبلغ من العمر تسعين عاماً، استقبلها الرئيس في مقر الرئاسة، ووعدها بعد تقبيل رأسها، بالحج: (هتحجي على حسابي)، طالباً في حديثه معها أن تدعو عند (سيدنا النبي) لمصر.. وتواصلت المواقف التي لا تعد ولا تحصى، والتي يلمسها المواطن صباح مساء.
نحن أمام رئيس يبني ويحمي، يصون العرض ويحقق الكرامة، تطابق أفعاله أقواله.. فعندما أكد أن المرأة ليست نصف المجتمع وحسب، بل هي أساس المجتمع، وجدنا ترجمة لهذا الإيمان في كل تصرفاته.. وهنا.. وعندما كرّم الراحلة السيدة جيهان السادات، فقد كان يُكرم المرأة المصرية في صورتها، رحمها الله رحمة واسعة.. وحفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.